المعطيات الحضارية لهجرة الكفاءات

نخبة من الباحثين

صفحة جزء
الهجرة ومأزق الهوية

د.إدريس مقبول

هناك حاجة من دون شك تدعونا لتأمل حركية "الإنسان العربي والمسلم" على هذه الأرض ودراستها في أي اتجاه؟ وعلى أي أساس تكون؟ وما دور"الواقع" في الدفع إلى هذه الحركية؟ وهل هو "الواقع" فقط من يدفع ويحرك في اتجاه الهجرة أم أن ثمت عوامل جذب خارجي لها نسبتها في هذه الحركية؟ ثم ما هو تأثير هذه الحركية الاختيارية تارة والقسرية تارة أخرى على كينونة ووجود وهوية هذا الإنسان؟

في هذه الورقة سنعمـد إلى تحـليل ونقد "الوجه المظلم من القمر" كما يقال، أي واقع هجرة قطاع كبير من الشباب العربي في اتجاه "الغرب" تحديدا، هذه الهجرة التي كان لها بالغ الأثر على هذه النوعية الخاصة من طاقاتنا الحيوية وعلى بلدانهم، بما تمثله هذه العملية من تكريس للتخلف عبر [ ص: 31 ] إهدار لكفاءات >[1] هؤلاء الشباب في بعض الأحيان ومن تذويب لكياناتهم ومن تمزيق لهوياتهم التي تمثل رأسمالا إدراكيا لا يقدر بثمن.. إن بحثنا سيكون عن "كلفة" هذه الهجرة على صعيد"الهوية".

ولعلنا نبدأ في معالجة هذا الموضوع من قضية ذات حساسية معرفية مرتبطة بالعقل العربي، نعتقد أن فهمها كفيل بمنحنا قدرة تفسيرية لجزء من الظاهرة، ذلك أن الظاهرة في كليتها "مركبة" ولا تخلو من وجه إيجابي خصوصا حين تكون "واعية" و"مؤسسة" وتنحو في اتجاه إرساء تجربة تلاقح واستمداد لعناصر القوة ينتهي بالعودة لاستنبات التجارب الناجحة في البلدان الأصلية والمساهمة في مجريات التنمية الداخلية، أو حين تكون انخراطا واعيا في اتجاه تشكيل جبهة مختلفة للدعوة والحوار والتأثير فيما يخص قضايا الأمة المصيرية، ذلك أن جوهر فلسفة الهجرة من منظور إسلامي لا ينفك عن قضية التدافع الواجب بجميـع ممكناته التي يدفع إليها الحرج والاضطهاد أو طلب منافذ أخرى للإبداع والتوسع.. لكنه لا يكون أبدا من باب "المغلوبية" المنبهرة بسلطان "الغالب"؛ لأن الانبهار تعبير انفعالي غاية في السطحية، والموقف الإيماني فيه عمق يأبى أن يكون سطحيا.

فما حقيقـة "الهجرة" اليوم إلى الغرب؟ وكيف تقتات على رصيدنا من الهوية؟ [ ص: 32 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية