ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الثاني]

نخبة من الباحثين

صفحة جزء
- الاستفزاز والتحدي:

وفي تقـديرنا أن من أهـم أسباب الظاهرة في بلاد العالم الإسلامي، التي أصبحت دون سائر بلاد العالم مسرحا للعنف والاحـتلال وما يصاحبه من فرض أنماط وعادات وثقافات وحتى قيم دينية، وما يهدف إليه من [ ص: 135 ] استغلال للموارد والمواد الأولية والخامات، وما يمارسه من الهيمنة والقمع والقهر والفقر، هذا إضافة إلى الاستفزازات والتحديات الثقافية والدينية ومحاولات تذويب الهوية، وفرض مناهجه وعاداته، واحتقار عادات الأمة، والاستهانة بعقيدتـها وشعـائرها الدينية، كل ذلك يشكل استفزازات وتحديات ومحركات ومحرضات لروح الأمة لتجمع طاقاتها للمدافعة والمواجهة للانعتاق والتحرر والاستقلال والخلاص الوطني، وهذه المقاومة وإن كانت عنيفة الأداء إلا أنها مشروعة للدفاع عن النفس.

وبالإمكان القول: إن عالم المسلمين، أو أرض المسلمين بشكل عام، كانت ولا تزال محلا للاستعمار والعدوان، القديم والحديث والأحدث، لذلك لم تتوقف فيه المواجهات وحالات الدفاع والمقاومة وثورات التحرير، ابتداء من الحملات الصليبية وما رافقها من غزو عسكري واقتصادي وثقافي وسياسي، مرورا بالاستعمار الحديث، الذي لم تنج منه أي بلد، ووصولا إلى إقامة إسرائيل التي تمثل القاعدة المتقدمة والمستمرة للاستعمار الاستيطاني، وانتهاء اليوم بالاستعمار الأحدث، وهو ما أطلق عليه "حقبة العولمة" حيث الهيمنة السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية والتجارية للدول الأقوى، وتحويل الدول إلى مصدر للخامات والطاقات وأسواق للاستهلاك، وتحويل وجهة سواعد أبنائها صوب معامل ومصانع حضارة الأقوى، وعقول أبنائها، لتصب خبراتها في مراكز دراسات الحضارة المهيمنة ومخابرها. [ ص: 136 ]

وبالإمـكان القـول: إن إسرائيل، كقاعدة استعمارية متقدمة، كانت ولا تزال بؤرة العنف والتوتر والتطرف وإرهاب الدولة، ذلك أنـها استعمار من نوع خاص، استعمار قائم على الرؤية الدينية، وفي هذا من الاستفزاز والتحدي ما فيه، إضافة إلى قيامها على الاستيطان الذي يعني اقتلاع أهل الأرض واستبدالهم، فهو تحد ديني وثقـافي وحضاري ووطني واقتصادي وسياسي.. إلخ.

ولذلك، أخـذت المقـاومة تاريخيا أشكالا من المواجهات، وخاصة بعد أن فشلت الأنظمة التي قامت على أساس التحرير، وطاردت خصومها على أساس التحرير، ودمرت الحريات باسم التحرير، وأنهكت الاقتصاد باسم التحرير، وكممت الأفواه وطاردت الحريات وفرضت أنظمة الطوارئ، باسم التحرير أيضا، فلم يزد ذلك الأمـر إلا خبالا، فجاءت حركات التحـرير والمقـاومة كبديل، فاصطدمت بالكثير من الأنظمة، التي فشلت في التحرير والتي تحولت عمليا لتشكل طوق حماية لإسرائيل، تناصب حركات المقاومة العداء والخصومة والملاحقة لمصلحة إسرائيل، فبدأت المواجهات بين الشعب والحكومة، بين الأمة والدولة، بين مؤسسات الأمن والعسكر ومخافرها وبين مؤسسات المجتمع المدني، بين المقموعين والمقهورين وبين الظلمة والمستبدين، وإن شئت فقل: بين السواعد والأدمغة، بين القوة الباطشة والمعرفة... وهكذا يكاد يكون حال عالـم المسـلمين، الذي يمـوج [ ص: 137 ] بالعنف والاضطراب، ولا يتورع الكثير من المسؤولين فيه عن كسر أسلحته بأيدي أبنائه: ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) (الحشر:2).

التالي السابق


الخدمات العلمية