ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الثاني]

نخبة من الباحثين

صفحة جزء
- الاستهداف للوعي الإسلامي:

وهناك حقيقـة يصعب تجاوزها عند الكـلام عن ظـاهرة العنف والبحث في أسبابها أو جـذورها العميقـة، هذه الحقيقة هي أن الإسـلام كان ولا يزال يشكل روح المقاومة للاستعمار والاحتلال، ومخزن التضحيات، وأن ثورات التحرير لبلاد المسلمين المستعمرة كانت في حقيقتها ثورات جهادية إسلامية، ولو أن نتائجـها سرقت في مرحلة ما بعد الاستعمار إلا أن ذلك لم يغير من الحقيقة شيئا، كما أن الإسلام تاريخيا شكل الحصـون المانعـة للأمـة من التذويب في وجه محاولات الاستعمار الثقافي والهيمنة الحضارية.

كما أن صور المقاومة والمواجهات والمجاهدات المعاصرة، وصورتها الأوضح في فلسطين ومقاومة الاستعمار الاستيطاني، على مختلف الأسماء والتسميات التي أخذتها، من ثورات إلى أعمال فدائية إلى مقاومات وانتفاضات، كانت كلها مؤطرة بالإسلام، الذي يشكل محركها ووقودها وروحها المستـمرة، حتى لنكاد نقول: إن إقامة إسرائيل، بكل ما حملت من استفزاز وتحد، على الرؤية الدينية، كانت وراء انبعاث ما سمي بالصحوة الإسلامية، أو حركة الوعي الإسلامي، وميلها إلى العسكرة والعمل الجهادي الفدائي، الذي بدأ يوصف بالتشدد والتطرف ثم بالإرهاب، بحيث أصبح يوسم به كل من ينتمي إلى الإسلام أو يدعو إليه، مهما كانت وسائله.

وهذه الحقيقـة لم تكن غائبة عن خصوم الإسلام وأعدائه، وهي أن إشكاليتهم الحقيقية هي مع الإسلام، كمكون لثقافة الأمة وحضارتها [ ص: 142 ] وتاريخها، وكمحرك لمقاومتها وجهادها، فكان لا بد من التحضير على المستويات كافة لوضع حركات الوعي الإسلامي، بتنظيماتـها السياسية والجهادية ومؤسساتـها المالية، والخيرية الإغاثية، في خانة التطرف؛ وفي مقدمة هذا التحضير المحاولات الدائمة لاختراق هذه الحركات، واستفزازها، وإحراجها لإخراجها إلى ممارسات تشوه صورتها وتظهرها بمظهر العنف والإرهاب والتطرف.

ولعل الإشكالية الأخطر اليوم أن خصوم الإسلام وأعداءه استطاعوا، وإلى حد بعيد، تخويف وإقناع بعض القيادات من القائمين على الشأن السياسي أن التهديد لهم والخطورة على مواقعهم وأنظمتهم إنما هي من الاتجاهات والمؤسسات الإسلامية التي تشكل لهم ألغاما موقوتة سوف تنفجر بهم، ولا يعدم أعداء الإسلام في إثبات ذلك من تقديم نماذج مصنوعة ومهيأة للدور المطلوب، وأن السـبيل إلى الحماية من التشـدد والتطرف مزيدا من الانفتاح - والانفتاح يعني التحدي والهيمنة الحضارية- الأمر الذي انتهى إلى إحاطة أنفسهم وقصورهم وعروشهم بكل الخارجين على الإسلام، المخاصمين له، فكان ذلك إذكاء للعنف وزيادة الطين بله.

وهنا بدأت صـور خطـيرة من المواجهة والتـطرف، واشـتعلت المعركـة، التي تمحورت رحاها في بلاد المسلمين، بين الأنظمة والشعوب، وكانت النتائج الفاجعة اليوم أن القاتل والمقتول من المسلمين! [ ص: 143 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية