علاقة المغاربة بفلسطين (الرحلة والوقف)

الدكتور / حسن يشو

صفحة جزء
المبحث الثاني: فتاوى علماء المسلمين الصادرة سنة 1935م بشأن بيع الأراضي لليهود:

كان العرب عام 1917م، يشكلون 92% من سكان فلسطين، وكان عدد اليهود آنذاك 75.000 يهودي فقط، أما ملكية اليهود في فلسطين فلم تكن تزيد عن 2.5% وفي عام 1947م، لم تزد ملكيتهم عن 5% من أراضي فلسطين. وكان اليهود بمثابة عصابات تعيش على أرض فلسطين وتحاول التوسع عن طريق شراء الأراضي والمنازل من أهلها العرب ليقيموا عليها دولتهم، التي كانوا يحلمون بها، مما دفع علماء فلسطين وقضاتها وخطباءها ووعاظها إلى عقد اجتماع كبير بالمسجد الأقصى ببيت المقدس، وذلك في 26 / 1 /1935م، وأصدروا فتواهم في حكم بيع الأراضي لليهود، وهذا نصها:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإننا نحن المفتين والقضاة والمدرسين والخطباء والأئمة والوعاظ وسائر علماء المسلمين ورجال الدين في فلسطين، المجتمعين اليوم في الاجتماع الديني المنعقد في بيت المقدس بالمسجد الأقصى المبارك حوله بعد البحث، والنظر فيما ينشأ عن بيع الأراضي في فلسطين لليهود من تحقيق المقاصد الصهيونية في تهويد هذه البلاد الإسلامية والمقدسة، وإخراجها من أيدي أهلها، وإجلائهم عنها، وتعفية أثر الإسلام منها بخراب المساجد والمعابد [ ص: 162 ] والمقدسات الإسلامية، كما وقع في القرى، التي تم بيعها لليهود وأخرجوا أهلها مشردين في الأرض، وكما يخشى أن يقع- لا سمح الله- في أولى القبلتين وثالث المسـجـدين، المسجـد الأقـصى المبـارك. وبـعد النظر في الفـتـاوى، التي أصدرها المفتون وعلماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى والتي أجمعت على تحريم بيع الأرض في فلسطين لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره بأي شكل وصورة، وتحريم الرضا بذلك كله والسكوت عنه، وأن ذلك كله أصبح بالنسبة لكل فلسطيني صادرا من عالم بنتيجته راض بها؛ لذلك فهو يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام باعتقاد حله كما جاء في فتوى سماحة السيد أمين الحسيني مفتي القدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى.

بعد النظر والبحث في ذلك كله وتأييد ما جاء في تلك الفتاوى الشريفة والاتفاق على أن البائع والسمسار والمتوسط في بيع الأراضي بفلسطين لليهود والمسهل له هو:

أولا: عامل ومظاهر على إخراج المسلمين من ديارهم.

ثانيا: مانع لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وساع في خرابها.

ثالثا: متخذ اليهود أولياء؛ لأن عمله يعد مساعدة ونصرا لهم على المسلمين.

رابعا: مؤذ لله ولرسوله وللمؤمنين.

خامسا: خائن لله ولرسوله وللأمانة. [ ص: 163 ]

وبالرجوع إلى الأدلة المبينة للأحكام في مثل هذه الحالات من آيات كتاب الله كقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ) (الأنفال:27-28)،

وقوله تعالى: ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) (الأحزاب:58)،

وقوله تعالى: ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) (البقرة:114)،

وقوله تعالى: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) (الممتحنة:8-9)،

وقوله تعالى في آية أخرى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) (الممتحنة:1)، وقوله تعالى في آية أخرى: ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) (المائدة:51)، وقد ذكر الأئمة المفسرون: أن معنى قوله تعالى: ( فإنه منهم ) أي من جملتهم وحكمه حكمهم.

فيعـلـم مـن جمـيـع ما قدمنـاه من الأسـبـاب والنـتـائج والأقوال والأحكام والفـتـاوى أن بائـع الأرض للـيـهود في فلـسـطـين، سـواء كان ذلك [ ص: 164 ] مباشـرة أو بالواسطة، وأن السمسار والمتوسط في هذا البيع والمسهل له والمساعد عليه بأي شكل مع علمـه بالنتائـج المـذكورة؛ كل أولئك ينبغي أن لا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم واحتـقـار شأنـهم وعـدم التودد إليهم والتقرب منهم، ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخوانا أو أزواجا.

( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) (التوبة:23-24).

هذا، وإن السكوت عن أعمال هؤلاء والرضا به مما يحرم قطعا.

( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون * واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ) (الأنفال:24-25). جـعـلنـا الله من الـذين يستمـعـون القـول فيتبـعون أحسنـه فـإنه مـولانا وهو نعم المولى ونعم النصير.

تحريرا في 20 شوال، سنة 1535ه/26، كانون ثاني، 1935م [ ص: 165 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية