صفحة جزء
وأيضا فاسم الغنم يقع على الماعز كما يقع على الضأن ، فإن كان حجة لهم في إباحة التضحية بالجذاع من الضأن فهو حجة في إباحة التضحية بالجذاع من المعز ، وإن [ ص: 20 ] لم يكن حجة في إباحة التضحية بالجذاع من الماعز فليس حجة في إباحة التضحية بجذاع الضأن ، والنهي قد صح عاما في أن لا تجزئ جذعة بعد أبي بردة .

وخبر آخر نذكره أيضا وهو ما رويناه من طريق مسلم نا أحمد بن يونس نا زهير بن معاوية نا أبو الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن } .

قال أبو محمد : هذا حجة على الحاضرين من المخالفين لأنهم يجيزون الجذع من الضأن مع وجود المسنات فقد خالفوه وهم يصححونه ، وأما نحن فلا نصححه ، لأن أبا الزبير مدلس ما لم يقل في الخبر أنه سمعه من جابر ، هو أقر بذلك على نفسه ، روينا ذلك عنه من طريق الليث بن سعد .

ثم لو صح لكان خبر البراء ناسخا له ; لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تجزي جذعة عن أحد بعدك } خبر قاطع ثابت ما دامت الدنيا ، ناسخ لكل ما تقدم لا يجوز نسخه ، لأنه كان يكون كذبا ، ولا ينسب الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كافر ؟ واحتج من أجاز الجذاع من الضأن بخبر رويناه من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عقبة بن عامر قال { : ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع من الضأن . }

ومن طريق وكيع عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن سعيد بن المسيب عن عقبة بن عامر { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع من الضأن ؟ فقال : ضح به } .

وبخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن أبي يحيى عن أمه عن أم بلال الأسلمية شهد أبوها الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 21 ] { ضحوا بالجذع من الضأن فإنه جائز } .

ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن ابن النعيمان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين جذعين } ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر { ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين جذعين } .

ومن طريق وكيع عن عثمان بن واقد عن كدام بن عبد الرحمن عن أبي كباش أن أبا هريرة قال له " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { نعم ، أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن } .

ومن طريق هشام بن سعد بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة { أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد إن الجذع من الضأن خير من السيد من المعز } وذكر باقي الخبر .

من طريق سعيد بن منصور عن عيسى بن يونس عن إسماعيل بن رافع عن شيخ من أهل حمص " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { قال لي جبريل : يا محمد إن الجذع من الضأن خير من المسن من المعز } وذكر باقي الخبر .

ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن مسهر عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبادة بن أبي الدرداء عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين جذعين } .

ومن طريق سليمان بن موسى عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فضحوا بالجذعة من الضأن والثنية من المعز } .

قال أبو محمد : لا يحتج بهذه الآثار إلا قليل العلم بوهيها فيعذر ، أو قليل الدين يحتج بالأباطيل التي لا يحل أخذ الدين بها : [ ص: 22 ] أما حديث عقبة بن عامر الذي صدرنا به فمن طريق معاذ بن عبد الله بن حبيب - وهو مجهول ، ورواية ابن وهب له غير مسندة لأنه ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف ذلك ، وهم لا يجعلون قول أسماء بنت الصديق : { نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه } مسندا ، ولا قول جابر { : كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } مسندا ، ولا قول ابن عباس { : إن طلاق الثلاث كان يرد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الواحدة } مسندا ، وكلها في غاية الصحة ، ويقولون : ليس فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف ذلك ، ثم يجعلون هذا الخبر الساقط الواهي مسندا ، وهذا قلة حياء واستخفاف بالكلام في الدين ، وهو من طريق وكيع من رواية أسامة بن زيد - وهو ضعيف جدا - عن مجهول .

وأما حديث أم بلال فهو عن أم محمد بن أبي يحيى - ولا يدرى من هي - عن أم بلال - وهي مجهولة - ولا ندري لها صحبة أم لا ؟

وحديث أبي الدرداء وأبي جعفر كلاهما من طريق الحجاج بن أرطاة - وهو هالك - وطريق أبي هريرة الأولى أسقطها كلها وفضيحة الدهر ; لأنه عن عثمان بن واقد - وهو مجهول - عن كدام بن عبد الرحمن ولا ندري من هو ؟ عن أبي كباش الذي جلب الكباش الجذعة إلى المدينة فبارت عليه .

هكذا نص حديثه ، وهنا جاء ما جاء أبو كباش وما أدرك ما أبو كباش ما شاء الله كان ، وكذلك خبر الشيخ من أهل حمص ، وكفاك به .

ومن طريق أبي هريرة الأخرى من طريق هشام بن سعد - وهو ضعيف - وحديث مكحول مرسل .

وحديث أبي الدرداء من طريق ابن أبي ليلى - وهو سيئ الحفظ .

ثم لو صحت كلها بالأسانيد التي لا مغمز فيها لما كان لهم في شيء منها حجة ; لأن الأضحية كانت مباحة في كل ما كان من الأنعام بلا شك ، وقد كان نزل حكمها بلا شك من أحد قبل قصة أبي بردة ، وضحى أبو بردة وقوم معه بيقين قبل أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا تجزي جذعة عن أحد بعدك } .

فلو صحت هذه الأخبار كلها لكان قوله عليه السلام : { لا تجزي جذعة عن أحد [ ص: 23 ] بعدك } ، ناسخا لها بلا شك ، ومن ادعى عودة حكم المنسوخ فقد كذب إلا أن يأتي على ذلك ببرهان ، فكيف وكلها باطل لا خير في شيء منها " .

وذكروا عن بعض السلف إجازة الأضحية بالجذع من الضأن فذكروا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال : يجزي من الضأن الجذع ، وعن حبة العرني عن علي مثله مع رواية جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال : يجزي من البدن ، ومن البقر ، ومن المعز الثني فصاعدا .

وعن ابن عمر لأن أضحي بجذعة سمينة أحب إلي من أن أضحي بجداء . ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله هو الطحان - عن عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول : لأن أضحي بجذعة سمينة عظيمة تجزي في الصدقة أحب إلي من أن أضحي بجذع المعز مع قوله : لا تجزي إلا الثنية من الإبل ، والبقر .

وعن أم سلمة لأن أضحي بجذع من الضأن أحب إلي من أن أضحي بمسن من المعز .

وعن أبي هريرة لا بأس بالجذع من الضأن في الأضحية .

وعن عمران بن الحصين إني لأضحي بالجذع من الضأن وإنها لتروج على ألف شاة .

وعن ابن عباس : لا بأس بالجذع من الضأن - فهم ستة من الصحابة .

وروينا إجازة الجذع من الضأن في الأضحية عن هلال بن يساف وعن كعب ، وعطاء ، وطاوس ، وإبراهيم ، وأبي رزين ، وسويد بن غفلة - فهم سبعة من التابعين .

وقال إبراهيم : لا يجزي من الماعز إلا الثني فصاعدا - وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي . [ ص: 24 ]

قال أبو محمد : كل هذا لا حجة لهم فيه ، أما الرواية عن علي فمنقطعة ، والأخرى واهية ، ثم ليس فيها المنع من التضحية بالجذع من الماعز ولا من الإبل ، والبقر ، ثم لو صحت لكنا قد روينا عنه خلافها كما قدمنا قبل ، وإذا وجد خلاف من الصحابة فالواجب الرد إلى القرآن والسنة .

وأما ابن عمر فلا حجة لهم فيه ، بل هو عليهم لأنه ليس في هذه الرواية عنه إلا اختيار الضأن على الماعز فقط والمنع مما دون الثني من الإبل والبقر فقط لا من الماعز .

وقد روينا عنه قبل خلاف هذا كما أوردنا فهو اختلاف من قوله وإذا جاء الاختلاف عن الصحابة رضي الله عنهم فقد وجب الرد إلى القرآن والسنة ، كما أمر الله عز وجل .

وأما الرواية عن أم سلمة أم المؤمنين فإنما فيها اختيار الجذع من الضأن وليس فيها المنع من الجذع من غير الضأن ، وكذلك عن سائر من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم ، فكيف ولا حجة في قول أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكم قصة خالفوا فيها جمهور العلماء ؟ كما ذكرنا في غير ما مسألة .

ومن العجب أن الرواية صحت عن ابن عباس ، وجابر ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت : بأن العمرة فرض كالحج ولم يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف لهم ; فجعلوا قول ابن عمر { بني الإسلام على خمس } فذكر فيهن الحج ، ولم يذكر العمرة خلافا في ذلك ، ثم لا يجعلون تصريحه بأن ما دون الجذع لا يجزي خلافا في ذلك .

وقد أشار قوم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أن يضحى بالجذع من الماعز ، وبالجذع من الإبل ، والبقر ، كما نورد إن شاء الله تعالى ، وجاءت بذلك آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم نوردها إن شاء الله تعالى لنرى من نصح نفسه أنه لا حجة للحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين أصلا في إجازتهم الجذع من الضأن ومنعهم من الجذع من الإبل ، والبقر ، والماعز - : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن عمارة هو ابن عبد الله بن طعمة - عن سعيد بن المسيب عن زيد بن خالد الجهني قال [ ص: 25 ] { قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا فأعطاني عتودا من المعز ، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إنه جذع ؟ فقال : ضح به } .

ومن طريق البخاري ومسلم جميعا قال البخاري : نا عمرو بن خالد ، وقال مسلم : نا محمد بن رمح ، ثم اتفق عمرو ، وابن رمح على أن الليث بن سعد أخبرهما عن يزيد هو ابن أبي حبيب - عن أبي الخير { عن عقبة بن عامر قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها بين أصحابه فبقي عتود فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ضح أنت به } هذا لفظ عمرو ، ولفظ ابن رمح { ضح به أنت } .

قال أبو محمد : العتود هو الجذع من المعز بلا خلاف - وهذان خبران في غاية الصحة ، وقد أجاز التضحية بالجذع من المعز فيهما اثنان من الصحابة : عقبة بن عامر ، وزيد بن خالد .

وقد ذكرنا قبل عن أم سلمة أم المؤمنين ، وابن عمر جواز الجذع من المعز في الأضحية وإن كان غيره خيرا منه .

فإن قالوا : هذا منسوخ بخبر البراء ؟ قلنا : خبر البراء لا دليل فيه على تخصيص الجذع من المعز دون الجذع من الضأن والإبل ، والبقر بالمنع إلا بدعوى كاذبة .

وأما الآثار التي فيها إباحة التضحية بالجذع جملة من كل شيء فروينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : كنا مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له : مجاشع من بني سليم فأمر مناديا ينادي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : الجذع توفي مما توفي منه الثنية } .

ومن طريق أبي الجهم نا يوسف هو ابن يعقوب القاضي - نا أبو الربيع هو الزهراني [ ص: 26 ] نا حبان بن علي عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : كنا يؤمر علينا في المغازي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر علينا رجل من الأنصار فقال : إني شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اليوم يعني يوم النحر فطلبنا المسن فغلت علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الجذع يفي مما يفي منه المسن } .

قال أبو محمد : الحديث الأول في غاية الصحة ، ومجاشع السلمي هو مجاشع بن مسعود - مشهور من فضلاء الصحابة ممن أسلم ، وأنفق ، وقاتل قبل فتح مكة ، وهو فتح كرمان ، ورواته كلهم ثقات مشاهير ، والآخر جيد صحيح لأن أمير العسكر لا تخفى صحة صحبته من بطلانها .

وقد روينا من طريق معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين قال : لأن أضحي بجذع أحب إلي من أن أضحي بهرم ، الله أحق بالغنى والكرم ، وأحبهن إلي أن أضحي به أحبهن إلي بأن أقتنيه .

وقد ذكرنا قبل عن ابن عمر لأن أضحي بجذعة عظيمة تجوز في الصدقة أحب إلي من أن أضحي بجداء فهذا عموم في الجذع .

ومن طريق وكيع ، ويحيى بن سعيد القطان ، قالا جميعا : نا علي بن المبارك عن أبي السوية التميمي قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال علي بدنة أتجزي عني جذعة ؟ قال : نعم ، وفي رواية وكيع جذعة من الإبل ؟ قال : نعم .

ومن طريق وكيع نا عمر بن ذر الهمداني قلت لطاوس : يا أبا عبد الرحمن إنا ندخل السوق فنجد الجذع من البقر السمين العظيم فنختار الثني لسنه فقال طاوس : أحبهما إلي أسمنهما وأعظمهما .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : يجزي الثني من المعز والجذع من الضأن ، والجذع من الإبل ، والبقر - يعني في الأضاحي .

ومن طريق وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : يجزي الجذع عن سبعة . [ ص: 27 ]

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : يجزي من الإبل الجذع فصاعدا .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري أنه قال : كان يقول : يضحى بالجذع من الإبل ، والبقر عن ثلاثة ، وما دون الجذع من الإبل عن واحد - فهذه أسانيد في غاية الصحة .

وعن طاوس ، وعطاء ، والحسن في جواز الجذع من الإبل والبقر في الأضاحي .

وعن ابن عباس جواز الجذع من الإبل في البدن .

فإن قيل : قد روي عن عطاء كراهة ذلك ؟ قلنا : رواه الحجاج بن أرطاة وهو ساقط ، ولا يعارض به ابن جريج إلا جاهل ؟ قال أبو محمد : والناسخ لهذا كله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تجزي جذعة عن أحد بعدك } ومن الباطل البحت أن يجعل هذا القول ناسخا لإباحة بعض الجذاع دون بعض ، والعجب أنهم لم يجدوا في النهي عن الجذاع من الإبل والبقر خبرا أصلا إلا هذا اللفظ فمن أين خصوا به جذاع الإبل والبقر دون جذاع الضأن .

فإن قالوا : قسنا جذاع الإبل والبقر على جذاع الماعز ؟ قلنا : وهلا قستموها على جذاع الضأن الجائزة عندكم ، وما الذي جعل قياس الإبل والبقر على الماعز أولى من قياسها على الضأن ؟ لا سيما والجذع عندكم من الإبل والبقر يجزيان في الزكاة ، فهلا قستم جوازها في الأضحية على جوازها في الزكاة - فلاح أنهم لا النص اتبعوا ، ولا القياس عرفوا - وبالله تعالى التوفيق .

ويقولون أيضا : إن ولدت الأضحية الشاة ، أو الماعز ، أو البقرة أو الناقة ضحي بولدها معها - فتناقضوا وأجازوا في الأضحية الصغير جدا .

فإن قالوا : إنما هو تبع ؟ قلنا : هذا كلام فاسد لا معنى له ، وعرفونا ما معنى تبع ؟ أهو بعضها - فهذا كذب بالعيان ، بل هو غيرها ، وهو ذكر وهي أنثى ، وإن كان غيرها ، فهو قولنا ، ولا فضل في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية