صفحة جزء
984 - مسألة : وجائز أن يشترك في الأضحية الواحدة أي شيء كانت الجماعة من أهل البيت وغيرهم ، وجائز أن يضحي الواحد بعدد من الأضاحي { ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين } كما ذكرنا آنفا ولم ينه عن أكثر من ذلك ، والأضحية فعل خير ، فالاستكثار من الخير حسن .

وقال أبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو سليمان : تجزئ البقرة ، أو الناقة عن سبعة فأقل أجنبيين وغير أجنبيين يشتركون فيها ، ولا تجزئ عن أكثر ، ولا تجزئ الشاة إلا عن واحد .

وقال مالك : يجزئ الرأس الواحد من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم عن واحد ، وعن أهل البيت - وإن كثر عددهم وكانوا أكثر من سبعة إذا أشركهم فيها تطوعا - ولا تجزئ إذا اشتروها بينهم بالشركة ولا عن أجنبيين فصاعدا .

قال أبو محمد : الأضحية فعل خير وتطوع بالبر فالاشتراك في التطوع جائز ما لم يمنع من ذلك نص قال تعالى : { وافعلوا الخير } فالمشتركون فيها فاعلون للخير ; فلا معنى لتخصيص الأجنبيين بالمنع ، ولا معنى لمنع ذلك بالشراء ; لأنه كله قول بلا برهان أصلا لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس .

وقد أباح الليث الاشتراك في الأضحية في السفر - وهذا تخصيص لا معنى له أيضا . [ ص: 46 ]

روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة أم المؤمنين أو أبي هريرة { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين ، سمينين ، أقرنين أملحين ، موجوءين ، فيذبح أحدهما عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ ، ويذبح الآخر عن محمد وآل محمد } .

فهذا أثر صحيح عندهم ، وعلى رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عول المالكيون في خبر الصلاة { تحريمها التكبير وتحليلها التسليم } .

وروينا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : البدنة عن واحد ، والبقرة عن واحد ، والشاة عن واحد ، لا أعلم شركا .

وصح عن محمد بن سيرين : لا أعلم دما واحدا يراق عن أكثر من واحد .

وصح من طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن مسعر بن كدام عن حماد بن أبي سليمان : لا تكون ذكاة نفس عن نفسين وكرهه الحكم .

وقول آخر رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال : الجزور ، والبقرة ، عن سبعة من أهل البيت لا يدخل معهم من غيرهم - : كل هذا مخالف لقول مالك لأن ابن عمر لم يجز الرأس الواحد إلا عن واحد ، وكذلك ابن سيرين ، وحماد ، وعلي أجاز الناقة أو البقرة عن سبعة من أهل البيت لا أكثر .

ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن علية عن سعيد عن قتادة عن سليمان بن يسار عن عائشة أم المؤمنين قالت : البقرة والجزور عن سبعة .

وعن ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، والحسن قالوا كلهم : البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة يشتركون فيها وإن كانوا من غير أهل دار واحدة . [ ص: 47 ]

ومن طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون كانوا يذبحون البقرة والبعير عن سبعة .

ومن طريق وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : البقرة ، والجزور عن سبعة .

قال علي : هذا حماد قد روى ما ذكرنا عن الصحابة ، ثم خالف ما روي ولم ير ذلك إجماعا كما يزعم هؤلاء - : وعن ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن مسلم عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود البقرة والجزور عن سبعة - : وعن وكيع عن سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن خالد بن سعد عن أبي مسعود قال : البقرة عن سبعة - ورويناه أيضا عن حذيفة ، وجابر ، وعلي ، وصح عن سعيد بن المسيب البدنة عن عشرة - وروينا ذلك أيضا عن ابن عباس عن الصحابة رضي الله عنهم .

وممن أجاز الاشتراك في الأضاحي بين الأجنبيين البقرة عن سبعة ، والناقة عن سبعة : طاوس ، وأبو عثمان النهدي ، وعطاء ، وجمهور التابعين .

فأما ابن عمر فإننا روينا من طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير نا مجالد عن الشعبي قال : سألت ابن عمر عن البقرة والبعير تجزي عن سبعة ؟ فقال : كيف ، أولها سبعة أنفس ؟ قلت : إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين بالكوفة أفتوني فقالوا : نعم قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر ، فقال ابن عمر : ما شعرت - فهذا توقف من ابن عمر .

ومن طريق وكيع عن عريف بن درهم عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر قال : البقرة عن سبعة ، فهذا يدل على رجوعه - وهذا مما خالف فيه مالك كل رواية رويت فيه عن صاحب إلا رواية عن ابن عمر رجع عنها ، وخالف جمهور التابعين في ذلك .

قال أبو محمد : الحجة إنما هي في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يمنع عليه السلام من الاشتراك في التطوع أكثر من عشرة ، وسبعة ، بل قد أشرك عليه السلام في أضحيته جميع أمته - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية