صفحة جزء
1004 - مسألة : ولا يحل أكل ما لم يسم الله تعالى عليه بعمد أو نسيان .

برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } فعم تعالى ولم يخص .

وقال أبو حنيفة ، ومالك : إن ترك عمدا لم يحل أكله ، وإن ترك نسيانا حل أكله .

وقال الشافعي : هو حلال ترك عمدا ، أو نسيانا .

روينا عن ابن عباس من طريق فيها ابن لهيعة أنه قال : إذا خرجت قانصا لا تريد [ ص: 88 ] إلا ذلك ، فذكرت اسم الله حين تخرج ، فإن ذلك يكفيك .

وصح عن أبي هريرة فيمن ذبح وهو مغضب فلم يذكر الله تعالى أنه يؤكل وليسم الله تعالى إذا أكل .

وعن عطاء إذا قال المسلم : باسم الشيطان فكل .

وروينا عن جماعة من التابعين إباحة أكل ما نسي ذكر الله تعالى عليه ، ولم يذكر عنهم تحريمه في تعمد ترك الذكر .

قال أبو محمد : احتج أهل الإباحة لذلك بما رويناه من طريق عمران بن عيينة أخي سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أنأكل مما قتلنا ، ولا نأكل مما قتل الله عز وجل ؟ فأنزل الله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } إلى آخر الآية } .

قال علي : هذا من التمويه القبيح ، وليت شعري أي ذكر في هذا الخبر لإباحة أكل ما لم يسم الله تعالى عليه ، بل حجة عليهم كافية .

فأما قول الشافعي فما نعلم له حجة أصلا .

وأما الحنفيون ، والمالكيون ، فإنهم ذكروا خبرا رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عيسى بن يونس نا الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد } .

فهذا مرسل ، والأحوص بن حكيم ليس بشيء ، وراشد بن سعد ضعيف .

وخبر آخر : من طريق وكيع نا ثور الشامي عن الصلت مولى سويد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ذبيحة المسلم حلال - وإن نسي أن يذكر اسم الله - لأنه إذا ذكر لم يذكر إلا الله تعالى } .

وهذا مرسل لا حجة فيه ، والصلت أيضا مجهول لا يدرى من هو .

وقال بعضهم : إنما ذبحت بدينك .

قال علي : وما نذبح إلا بأدياننا وبما ينهر الدم ، ومن الذبح بالدين أن يسمى الله تعالى فمن لم يسمه عز وجل فلم يذبح بدينه ولا كما أمر . [ ص: 89 ] واحتجوا أيضا بأن قالوا : قال الله تعالى : { وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } وأنتم تجيزون صلاة من تكلم فيها ناسيا ، وصوم من أكل فيه ناسيا ، فما الفرق ؟ قالوا : وقول الله تعالى : { وإنه لفسق } إخراج للناسي من هذه الجملة ، لأن النسيان ليس فسقا .

هذا كل ما احتجوا به ، ولا حجة لهم في شيء منه . أما سقوط الجناح في الخطأ ، وسقوط المؤاخذة بالنسيان والخطأ ، ورفعهما عنا ، فنعم ؟ وهو قولنا ، وهكذا نقول : إنه ههنا مرفوع عنه الإثم والحرج إذا نسي التسمية ، لكنا قلنا : إنه لم يذك ، لكن ظن أنه ذكى ولم يذك ، كمن نسي الصلاة وظن أنه صلى وهو لم يصل ، فلما لم يذك كان ميتة لا يحل أكله ، لأن الله تعالى نهانا أن نأكل ما لم يذكر اسم الله عليه فكانت هذه الصفة متى وجدت في مذبوح أو منحور أو تصيد لم يحل أكله .

والفرق بين ما جهلوا الفرق بينه من ذلك : هو أن العمل المأمور به من نسي أن يعمله ، أو تعمد أن لا يعمله ، فلم يعمله إلا أن الناسي غير حرج في نسيانه والعامد في حرج ، وكل عمل عمله المرء مما أمر به فزاد فيه ما لم يؤمر به ناسيا فلا حرج عليه فيما عمل ناسيا ، وعمله لما عمل مما أمر به صحيح جائز جاز - فهذا هو حكم القرآن والسنن إلا ما جاء نص بإخراجه عن هذا الحكم فيوقف عنده .

وأما قوله تعالى : { وإنه لفسق } فلم نقل قط : إن نسيان الناسي لتسمية الله تعالى على ذبيحته ونحيرته وصيده - : فسق ؟ ولا قلنا : إن الله تعالى سمى نسيانه لذلك : فسقا ، لكن الله تعالى سمى ذلك العقير الذي لم يذكر اسم الله عليه : فسقا - هذا نص الآية الذي لا يجوز إحالتها عنه أن ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه ، فإنه فسق ، والفسق محرم ، وما لم يذكر اسم الله عليه فهو مما أهل لغير الله به فهو حرام بنص الآية التي لا تحتمل تأويلا سواه - وبالله تعالى التوفيق .

نا حمام بن أحمد نا أبو محمد الباجي نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن مسلم نا أبو ثور نا معلى نا هشيم ، عن يونس هو ابن عبيد - عن محمد بن زياد [ ص: 90 ] قال : إن رجلا نسي أن يسمي الله تعالى على شاة ذبحها فأمر ابن عمر غلامه فقال : إذا أراد أن يبيع منها لأحد ؟ فقل له : إن ابن عمر يقول : إن هذا لم يذكر اسم الله عليها حين ذبحها - وهذا إسناد في غاية الصحة .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا معتمر بن سليمان عن خالد هو الحذاء - عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد قال : لا تأكل إلا مما ذكر اسم الله عليه .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون عن أشعث هو الحمراني - عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد سأله رجل عمن ذبح ونسي أن يسمي الله ؟ فتلا عبد الله قول الله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } وعبد الله هذا هو صحيح الصحبة .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي أنه كره ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه بنسيان .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قال : إذا وجدت سهما في صيد وقد مات فلا تأكله ، إنك لا تدري من رماه ولا تدري أسمى أم لم يسم ؟ ومن طريق وكيع نا عبد الله بن راشد المنقري عن ابن سيرين فيما نسي أن يذكر اسم الله عليه أرأيت لو قلت : كل وقال الله : لا تأكل - أكنت تأكل ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن علية عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر أنه كره أكل ما نسي ذابحه أن يسمي الله تعالى عليه .

ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين أنه كره أكل ما نسي ذابحه أن يسمي الله تعالى عليه .

وهو قول أبي ثور ، وأبي سليمان ، وأصحابه ، وبهذا جاءت السنن .

روينا من طريق أبي داود الطيالسي نا زائدة عن سعيد بن مسروق نا عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما أنهر الدم وذكر اسم الله تعالى عليه فكل } وذكر باقي الحديث . [ ص: 91 ] ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة نا الشعبي سمعت عدي بن حاتم يقول : { قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل كلبي فأجد مع كلبي كلبا قد أخذ لا أدري أيهما أخذ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره } فجعل عليه السلام المانع من الأكل لأنه لم يسم على الذي لا يدري أهو قتله أم غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية