صفحة جزء
1007 - مسألة : ولا يحل أكل ما نحره أو ذبحه إنسان من مال غيره بغير أمر مالكه بغصب أو سرقة أو تعد بغير حق - وهو ميتة - لا يحل لصاحبه ولا لغيره ويضمنه قاتله إلا أن يكون نظرا صحيحا كخوف أن يموت فبادر بذكاته ، أو نظرا لصغير أو مجنون أو غائب ، أو في حق واجب .

برهان ذلك - : قول الله تعالى : { إلا ما ذكيتم } .

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

وقال تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } .

فنسأل من خالف قولنا أبحق ذبح هذا الحيوان أو نحر ، أم بباطل ، ولا بد من أحدهما ؟ ولا يقول مسلم : إنه ذبح بحق ، فإذ لا شك في أنه نحر وذبح بباطل فهو محرم أكله بنص القرآن .

وأيضا : فإن الحيوان حرام أكله إلا ما ذكينا ، فالذكاة حق مأمور به طاعة لله تعالى [ ص: 92 ] لا يحل أكل ما حرم من الحيوان إلا به ، وذبح المعتدي باطل محرم عليه معصية لله تعالى بلا خلاف وبنص القرآن والسنة .

ومن الباطل المتيقن أن تنوب المعصية عن الطاعة ؟ والعجب أنهم متفقون معنا على أن الفروج المحرمة لا تحل إلا بالعقد المأمور به لا بالعقد المحرم : فمن أين وقع لهم أن يبيحوا الحيوان المحرم بالفعل المحرم ؟ وما الفرق بين تصيد المحرم للصيد المحرم عليه ، وبين ذبح المتعدي لما حرم عليه ذبحه ؟ وبهذا جاءت السنن الثابتة - :

روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكفئت ، ثم عدل عشرا من الغنم بجزور } .

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بهرق القدور التي فيها اللحم المذبوح من الغنيمة قبل القسمة ، ولا شك في أنه لو كان حلالا أكله ما أمر بهرقه ، لأنه عليه السلام نهى عن إضاعة المال - فصح يقينا أنه حرام محض ، وأن ذبحه ونحره تعد يوجب الضمان ولا يبيح الأكل .

وما نعلم للمخالف حجة أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب ولا من قياس ، إلا أن بعضهم موه بخبر رويناه من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فاستقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم فأكلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه ثم قال : أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها ، فأرسلت المرأة : يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع من يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إلي بثمنها ، فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته ، فأرسلت إلي بها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعميه الأسارى } .

قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه ، بل هو لو صح حجة عليهم - : [ ص: 93 ] أول ذلك : أنه عن رجل لم يسم ولا يدرى أصحت صحبته أم لا ؟ والثاني : أنه لو صح لكان حجة لنا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستحل أكله ولا أباح لأحد من المسلمين أكل شيء منه ، بل أمر بأن يطعم الكفار المستحلين للميتة ، ولعل أولئك الأسارى كانوا مرضى يحل لهم التداوي بالميتة ، مع أنها لم تكن غصبا ولا مسروقة ، وإنما أخذتها بشراء صحيح عند نفسها ، لكن لما لم يكن بإذن مالكها لم يحل أكلها لمسلم ، فبطل تمويههم بهذا الخبر .

ولا شك في أن تلك الشاة مضمونة على المرأة ، وذلك منصوص في الخبر من قول المرأة " ابعثها إلي بثمنها " ونحن نأتيهم من هذه الطريق بعينها بما هو حجة مبينة عليهم لنا في هذه المسألة - :

روينا من طريق أبي داود السجستاني نا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص هو سلام بن سليم - عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد ، فأصابوا غنما فانتهبوها ، فإن قدورنا لتغلي ، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب - ثم قال : إن النهبة ليست بأحل من الميتة ، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة ; شك أبو الأحوص في أيتهما قال عليه السلام } .

فهذا ذلك الإسناد نفسه ببيان لا إشكال فيه من إفساده صلى الله عليه وآله وسلم اللحم المذبوح منتهبا غير مقسوم وخلطه بالتراب .

فصح يقينا أنه حرام بحت لا يحل أصلا ، إذ لو حل لما أفسده عليه السلام ; فمن العجائب أن تكون طريق واحدة حجة فيما لا بيان فيها منه ، ولا تكون حجة فيما فيها البيان الجلي منه .

وروينا من طريق طاوس ، وعكرمة النهي عن أكل ذبيحة السارق وهو قول إسحاق ابن راهويه ، وأبي سليمان ، وأصحابه ، ولا نعلم خلاف قولنا في هذه المسألة عن أحد من الصحابة ولا عن تابع إلا عن الزهري ، وربيعة ويحيى بن سعيد ، فقط - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية