صفحة جزء
1048 - مسألة : وكل ما جاز ذبحه جاز نحره ، وكل ما جاز نحره جاز ذبحه - : الإبل ، والبقر ، والغنم ، والخيل ، والدجاج ، والعصافير ، والحمام ، وسائر كل ما يؤكل لحمه ; فإن شئت فاذبح ، وإن شئت فانحر - : وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، وأبي ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه وبعض أصحابنا . وقال مالك : الغنم ، والطير ، تذبح ولا تنحر ، فإن نحر شيء منها لم يؤكل وأما الإبل فتنحر ، فإن ذبح منها شيء لم يؤكل ، وأما البقر فتذبح وتنحر - ولا نعلم له في هذا القول سلفا من العلماء أصلا ، إلا رواية عن عطاء في البعير خاصة قد روي عنه خلافها ، واحتج بعضهم في ذلك بأن ذبح الجمل تعذيب له لطول عنقه ، وغلظ جلده . قال علي : وهذه مكابرة للعيان ، وما تعذيبه بالذبح إلا كتعذيبه بالنحر ولا فرق ، وما جلده بأغلظ من جلد الثور ، وما عنقه بأطول من عنق الإبل وهو يرى الذبح في كل ذلك - وما تعذيب العصفور ، والحمامة ، والدجاجة بالنحر إلا كتعذيبها بالذبح ولا فرق . وأطرف شيء احتجاجهم في ذلك بقول الله تعالى : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } وهم أول مخالف لذلك فيجيزون فيها النحر - وأما نحن فلا يلزمنا ما أمر الله به بني إسرائيل . فإن احتج بعضهم بأن { النبي صلى الله عليه وسلم نحر الإبل بمنى ، وذبح الكبشين إذ ضحى بهما } قلنا : نعم ، وهذا فعل لا أمر ، وليس ذلك بمانع من غير هذا الفعل ، وقد صح عنه عليه السلام ما ذكرنا قبل من قوله { ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل } وهذا هو الفتيا المبينة التي لا يحل تعديها ، لا العمل الذي لم ينه عما سواه . [ ص: 132 ] وقد ذكرنا في المسألة التي قبل هذه عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس الذكاة في الحلق واللبة ، ولم يخصا بإحداهما حيوانا من حيوان بل هتف عمر بذلك مجملا ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة أصلا . بل قد ذكرنا الرواية عن علي في إباحة أكل بعير ضرب عنقه بالسيف ورأى ذلك ذكاة وحية . ومن طريق عبد الرزاق نا وهب بن نافع أنه سمع عكرمة يحدث أن ابن عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم ، والجزور البعير بلا خلاف . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال : ذكر الله تعالى الذبح في القرآن ، فإن ذبحت شيئا ينحر أجزى عنك . ومن طريق محمد بن المثنى نا مؤمل بن إسماعيل ، نا سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال : الذبح من النحر ، والنحر من الذبح . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، وقتادة ، قالا جميعا : الإبل ، والبقر إن شئت ذبحت وإن شئت نحرت . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيد عن مجاهد قال : كان الذبح فيهم ، والنحر فيكم { فذبحوها وما كادوا يفعلون } ، { فصل لربك وانحر } . قال أبو محمد : قد ذكرنا قول الله تعالى : { إلا ما ذكيتم } وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا } ولم يخص الله تعالى ذبحا من نحر ، ولا نحرا من ذبح { وما كان ربك نسيا } . ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنا أبو خيثمة - هو زهير بن معاوية - عن الأسود بن قيس حدثني { جندب بن سفيان قال شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي أو نصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله } . ومن طريق شعبة عن زبيد اليامي عن الشعبي عن البراء بن عازب قال : قال [ ص: 133 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله وذكر الخبر . } ومن طريق مسلم نا محمد بن حاتم نا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر رسول الله صلى الله عليه وسلم } . وصح من طريق ابن عمر كما أوردنا في كتاب الأضاحي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذبح وينحر بالمصلى } فأطلق عليه السلام في الأضاحي الذبح والنحر عموما وفيها الإبل ، والبقر ، والغنم ، ولم يخص عليه السلام شيئا من ذلك بنحر دون ذبح ولا بذبح دون نحر ، ولو كان أحد الأمرين لا يجوز أو يكره لبينه عليه السلام - : روينا من طريق أسماء بنت أبي بكر الصديق { نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا } وروينا عنها أيضا ذبحنا فرسا - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية