صفحة جزء
1049 - مسألة : وأما غير المتمكن منه فذكاته أن يمات بذبح أو بنحر حيث أمكن منه من خاصرة ، أو من عجز ، أو فخذ ، أو ظهر ، أو بطن ، أو رأس ، كبعير ، أو شاة ، أو بقرة ، أو دجاجة ، أو طائر ، أو غير ذلك : سقط في غور فلم يتمكن من حلقه ، ولا من لبته ، فإنه يطعن حيث أمكن بما يعجل به موته ، ثم هو حلال أكله . وكذلك كل ما استعصى من كل ما ذكرنا فلم يقدر على أخذه ; فإن ذكاته كذكاة الصيد ، ثم يؤكل على ما نذكر في كتاب الصيد إن شاء الله تعالى . وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحابهم - وهو قول أبي سفيان وأصحابنا . وقال مالك : لا يجوز أن يذكى أصلا إلا في الحلق واللبة - وهو قول الليث . قال أبو محمد : وقولنا هو قول السلف - : كما روينا من طريق ابن أبي شيبة نا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن [ ص: 134 ] زياد بن أبي مريم أن حمارا وحشيا استعصى على أهله فضربوا عنقه فسأل ابن مسعود ؟ فقال : تلك أسرع الذكاة . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان ، وشعبة كلاهما عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج أن بعيرا تردى في بئر فذكي من قبل شاكلته ، فأخذ ابن عمر منه عشيرا بدرهمين . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان حدثني أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي حدثني عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج قال : تردى بعير في بئر ، فكان أعلاه أسفله ؟ فنزل عليه رجل فلم يستطع أن ينحره ، فقال ابن عمر : أجز عليه واذكر اسم الله عز وجل ، فأجاز عليه من شاكلته فأخرج قطعا قطعا فأخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين . ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن سياه سمع أبا راشد السلماني قال : كنت في منائح لأهلي بظهر الكوفة أرعاها فتردى بعير منها فنحرته من قبل شاكلته ، فأتيت عليا فأخبرته ؟ فقال : اهد لي عجزه - : الشاكلة : الخاصرة . ومن طريق وكيع نا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن مسروق أن بعيرا تردى في بئر فصار أسفله أعلاه ، قال : فسألنا علي بن أبي طالب ؟ فقال : قطعوه أعضاء وكلوه . ومن طريق وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : ما أعجزك من البهائم فهو بمنزلة الصيد . وهو أيضا قول عائشة أم المؤمنين ، ولا يعرف لهم من الصحابة رضي الله عنهم مخالف : ابن مسعود ، وعلي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأم المؤمنين . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق أنه سأل عن قالح تردى في بئر فذكي من قبل خاصرته ، فقال مسروق : كلوه . ومن طريق وكيع نا حريث عن الشعبي قال : إذا خشيت أن يفوتك ذكاتها فاضرب حيث أدركت منها . [ ص: 135 ] ومن طريق وكيع نا هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب في البعير يتردى في البئر ؟ قال : يطعن حيث قدروا ذكر اسم الله عز وجل . ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم قال : تردى بعير في بئر فلم يجدوا له مقتلا فسئل الأسود بن يزيد عن ذلك ؟ فقال : ذكوه من أدنى مقتله ; ففعلوا فأخذ الأسود منه بدرهمين . ومن طريق وكيع نا قرة بن خالد قال : سمعت الضحاك يقول في بقرة شردت : هي بمنزلة الصيد - وهو قول عطاء ، وطاوس ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، وإبراهيم النخعي ، وحماد بن أبي سليمان . ولا نعلم لمالك في هذا سلفا إلا قولا عن ربيعة . قال أبو محمد : وقال قائلهم : إن كانت بمنزلة الصيد فأبيحوا قتلها بالكلاب والجوارح ؟ فقلنا : نعم ، إذا لم يقدر عليها بذلك فهي في ذلك كالصيد ولا فرق . قال علي : وهم أصحاب قياس بزعمهم وقد أجمعوا على أن الصيد إذا قدر عليه فهو بمنزلة النعم والإنسيات في الذكاة ، فهلا قالوا : إن النعم والإنسيات إذا لم يقدر عليها فمنزلتها كمنزلة الصيد ؟ ولو صح قياس يوما ما لكان هذا أصح قياس في العالم . والعجب من قول مالك : إني لأراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من أجل كلب ولغ فيه ولم يقل ههنا : إني لأراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيضيع ويفسد لأجل أن لم يقدر على لبته ، ولا على حلقه ; فلو عكس كلامه لأصاب ; بل العظيم كل العظيم هو أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه } فيقول قائل برأيه : لا يراق ، وأن ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فيضيع البعير ، والبقرة ، والشاة ، والدجاجة ، ونحن قادرون على تذكيتها من أجل عجزنا عن أن تكون التذكية في الحلق واللبة ; فهذا هو العظيم حقا ؟ قال أبو محمد : قال الله عز وجل : { إلا ما ذكيتم } . وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فصح أن التذكية كيفما قدرنا لا نكلف منها ما ليس في وسعنا - : [ ص: 136 ] روينا من طريق البخاري نا موسى بن إسماعيل نا عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده { رافع بن خديج قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الخبر وفيه فند بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم ، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله - عز وجل - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا } . ومن طريق مسلم نا ابن أبي عمر نا سفيان بن عيينة حدثني عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده { رافع بن خديج أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فند علينا بعير فرميناه بالنبل حتى وهصناه } وذكر الحديث . قال علي : الوهص الكسر والإسقاط إلى الأرض ولا يبلغ البعير هذا الأمر إلا وهو منفذ المقاتل ، وقد أذن عليه السلام في رميه بالنبل ، والمعهود منها الموت بإصابتها وهذا إذن منه عليه السلام في ذكاتها بالرمي . قال علي : وههنا خبر لو ظفروا بمثله لطغوا - : كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن { أبي العشراء عن أبيه قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ؟ قال : لو طعنت في فخذها لأجزأك } . قال أبو محمد : أبو العشراء قيل : اسمه أسامة بن مالك بن قهطم ، وقيل : عطارد بن برز وفي الصحيح الذي قدمنا كفاية . وهذا مما تركوا فيه ظاهر القرآن ، والسنن ، والصحابة ، وجمهور العلماء ، والقياس - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية