صفحة جزء
[ ص: 151 ] كتاب الصيد 1068 - مسألة : ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البر كله - وحشيه وأنيسه - لا تحاش شيئا ، لا طائرا ولا ذا أربع مما يحل أكله فإن ذكاته أن يرمى بما يعمل عمل الرمح ، أو عمل السهم ، أو عمل السيف ، أو عمل السكين حاشا ما ذكرنا أنه لا تحل التذكية به ، فإن أصيب بذلك ، فمات قبل أن تدرك ذكاته فأكله حلال ، فإن أدرك حيا إلا أنه في سبيل الموت السريع فإن ذبح ، أو نحر فحسن ، وإلا فلا بأس بأكله ، وإن كان لا يموت سريعا لم يحل أكله إلا بذبح أو نحر ، أو بأن يرسل عليه سبع من سباع الطير ، أو ذوات الأربع ، لا ذكاة له إلا بأحد هذين الوجهين - : لما روينا من طريق شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض ؟ فقال : إذا أصاب بحده فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل } . ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - أنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن إبراهيم النخعي عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : { إذا رميت بالمعراض فخرق فكله ، وإن أصاب بعرضه فلا تأكله } . وقد اختلف الناس في هذا - : كما روينا عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر قال : إذا رميت بالحجر أو البندقة ثم ذكرت اسم الله فكل . [ ص: 152 ] ورويناه أيضا عن سلمان الفارسي - وهو قول أبي الدرداء ، وفضالة بن عبيد ، وابن عمر . ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال : كل وحشية قتلتها بحجر ، أو بخشبة ، أو ببندقة فكلها وإذا رميت فنسيت أن تسمي فكل . ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة سمعت سعيد بن المسيب يقول : كل وحشية قتلتها بحجر ، أو ببندقة ، أو بمعراض فكل ، وإن أبيت أن تأكل فأتني به - وهو قول مكحول ، والأوزاعي . وروينا خلاف هذا عن عمر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لا يحذفن أحدكم الأرنب بعصاه أو بحجر ، ثم يأكلها وليذك لكم الأسل : النبل ، والرماح . وبه يقول أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبو سليمان . واحتج من ذهب إلى قول عمار ، وسلمان ، وسعيد بقول الله تعالى { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم } . وبحديث رويناه من طريق مسلم عن هناد بن السري نا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح قال : سمعت ربيعة بن يزيد الدمشقي يقول : أنا أبو إدريس عائذ الله الخولاني قال سمعت { أبا ثعلبة الخشني يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأما ما ذكرت من أنك بأرض صيد فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله عليه وكل } . قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذين النصين ، لأن حديث عدي بن حاتم الذي ذكرنا فرض أن يضاف إليهما فيستثنى منهما ما استثنى فيه ، فإنه لا يحل ترك نص لنص . ولا خلاف في أن هذين من الصيد ليسا على عمومهما ، لأنه قد تنال فيه اليد الميتة ، وقد تصاب بالقوس المقدور عليه فلا يكون ذكاة بلا خلاف . وهذا مما تناقض فيه الحنفيون لأنهم أخذوا بخبر عدي بن حاتم ، وهو زائد على [ ص: 153 ] ما في القرآن ، وقد امتنعوا من مثل هذا في إسقاط الزكاة فيما دون خمسة أوسق ، وغير ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

وأما قولنا : إن أدرك حيا إلا أنه في سبيل الموت السريع فلا بأس بنحره وذبحه ولا بأس بتركه ، فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأكل ما خزق ، ولم ينه عن ذبحه ، أو نحره ولا أمر به فهو حلال مذكى على كل حال ، وأما إذا كان لا يموت من ذلك موت المذكى فلا يحل أكله إلا بذكاة ، لأن حكم الذكاة إراحة المذكى ، وتعجيل الموت كما ذكرنا من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم إرسال الجارح .

التالي السابق


الخدمات العلمية