صفحة جزء
1069 - مسألة : وكل ما ذكرنا أنه لا يجوز التذكية به فلا يحل ما قتل به من الصيد ، وكل من قلنا : إنه لا يحل أكل ما ذبح أو نحر لم يحل أكل ما قتل من الصيد كغير الكتابي والصبي ، ومن تصيد بآلة مأخوذة بغير حق . وكل من قلنا : إنه يحل أكل ما ذبح أو نحر أكل ما قتل من الصيد كالكتابي ، والمرأة ، والعبد ، وغيرهم ، ولا يحل أكل ما لم يسم الله تعالى عليه مما قتل من الصيد بعمد ، أو بنسيان لأن الصيد ذكاة ، وقد ذكرنا برهان ذلك - : في كلامنا في كتاب التذكية آنفا والحمد لله رب العالمين . وكره بعض الناس أكل ما قتله الكتابيون من الصيد - وهذا باطل لأن الصيد ذكاة ، وقد أباح الله تعالى لنا ما ذكوا ولم يخص ذبيحة من نحيرة من صيد { وما كان ربك نسيا } . وقد قال تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } ولم يفصل لنا تحريم هذا ، فلو كان حراما لفصل لنا تحريمه ، فإذ لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال محض . فإن موهوا بقول الله تعالى : { تناله أيديكم ورماحكم } . قلنا : وقد قال تعالى : { إلا ما ذكيتم } فحرموا بهذه الآية أكل ما ذبحوا إذا ، وإلا فقد تناقضتم وقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } زائد على ما في هاتين الآيتين ، فالأخذ به واجب . وقولنا ههنا - هو قول عطاء ، والليث ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة ، [ ص: 154 ] والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم . والقول الآخر - هو قول مالك ، ولا نعلم له سلفا في هذا أصلا ; ولا جاء عن أحد من الصحابة ولا التابعين التفريق بين ذبائح أهل الكتاب وبين صيدهم . وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيرسل المجوسي بازي ؟ قال : نعم ، إذا أرسل المجوسي كلبك فقتل فكل وهو قول أبي ثور ، وغيره - وبالله تعالى التوفيق .

وقال بعض الناس : قد علمنا أن النصراني إذا سمى الله تعالى فإنما يعني به المسيح ، فسواء أعلن باسم المسيح أو لم يعلن - وهذا باطل ، لأننا إنما نتبع ما أمرنا الله تعالى به ، ولا نعترض عليه بآرائنا . وقد قال الله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فحسبنا إذا سمى الله تعالى فقد أتى بالصفة التي أباح الله تعالى لنا بها أكل ما ذكى ولا نبالي ما عنى ، لأن الله تعالى لم يأمرنا بمراعاة نيته الخبيثة { وما كان ربك نسيا } وإذا لم يذكر الله تعالى ، أو ذكر غير الله تعالى ، فقد أتى بالصفة التي حرم الله تعالى علينا الأكل مع وجودها ، لأنه أهل لغير الله به ، ولا نبالي بنيته الخبيثة ، إذ لم يأمر الله تعالى بذلك إلا كل أحد في نفسه خاصة .

التالي السابق


الخدمات العلمية