صفحة جزء
1116 - مسألة : وهذا بخلاف من قال : لله تعالى علي عتق رقبة ، أو قال : بدنة ، أو قال : مائة درهم ، أو شيء من البر ، هكذا لم يعينه - : فإن هذا كله نذر لازم ; لأنه لم ينذر شيئا من ذلك في شيء لا يملكه ; لأن الذي نذر ليس معينا فيكون مشارا إليه مخبرا عنه ، فإنما نذر عتقا في ذمته ، أو صدقة في ذمته .

برهان هذا - : قول الله تعالى : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن } ثم لامهم عز وجل إذ لم يفوا بذلك إذ آتاهم من فضله - : فخرج هذا على ما التزم في الذمة جملة ، وخرج نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النذر فيما لا يملك على ما نذر في معين لا يملكه .

ويدخل في القسم اللازم من نذر عتق أول عبد يملكه ، أو أول ولد تلده أمته ، وفي هذا نظر ؟ ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه { أن حكيم بن حزام أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة ، وحمل على مائة بعير قال حكيم : فقلت : يا رسول الله أشياء كنت [ ص: 272 ] أفعلها في الجاهلية فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت على ما أسلفت لك من الخير ؟ قال حكيم : قلت : فوالله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله } فهذا نذر من حكيم في عتق مائة رقبة ، وعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فلم ينكره كما أنكر نذر الأنصارية نحر الناقة التي لم تملكها - فصح أن ذلك النهي إنما هو في المعين ، وأن الجائز هو غير المعين ، وإن لم يكن في ملكه حينئذ ; لأنه في ذمته .

وأما من قال علي نذر ولم يسم شيئا فكفارة يمين ولا بد ، لا يجزيه غير ذلك - : لما روينا من طريق ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { كفارة النذر كفارة يمين } .

قال أبو محمد : قد ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم { : من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم { : لا وفاء لنذر في معصية الله } .

وأمره من نذر أن يصوم ولا يستظل ولا يقعد ولا يتكلم : بأن يصوم ويطرح ما سوى ذلك - ونهيه عن اليمين بغير الله تعالى ولم نجد نذرا في العالم يخرج عن هذه الوجوه .

وقد بين عليه السلام لكل وجه حكمه ، فكان من استعمل في أحد تلك الوجوه كفارة يمين فقد أخطأ ; لأنه زاد في ذلك ما لم يأت به نص في ذلك الوجه ، فوجب حمل هذا الخبر على ما لا يحال به حكم تلك النصوص عن أحكامها - : فوجدناه إذا حمل على ظاهره صح حكمه ، وهو من نذر نذرا فقط كما في نص الخبر ولم يجز أن يلزم شيئا من أعمال البر لم يلتزمها ولا جاء بالتزامه إياها نص - وبالله تعالى التوفيق .

وسواء قال علي نذر ، أو قال : إن تخلصت مما أنا فيه فعلي نذر ، وسواء تخلص أو لم يتخلص : عليه كل ذلك كفارة يمين ولا بد - وبالله تعالى التوفيق .

وروينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الرجل يقول : علي حرام ، علي نذر ؟ قال : اعتق رقبة ، أو صم [ ص: 273 ] شهرين متتابعين ، أو أطعم ستين مسكينا .

قال سعيد : ونا سفيان هو ابن عيينة - عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : النذر أغلظ اليمين ، وفيها أغلظ الكفارة : عتق رقبة - وكلاهما صحيح عن ابن عباس ، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة .

وممن قال : فيه يمين كقولنا : الشعبي ، رويناه عن طريق سفيان بن عيينة : عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي ، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية