صفحة جزء
1148 - مسألة :

ومن حلف بالله لا أكلت هذا الرغيف ; أو قال : لا شربت ماء [ ص: 315 ] هذا الكوز ، فلا يحنث بأكل بعض الرغيف ، ولو لم يبق منه إلا فتاته ، ولا بشرب بعض ما في الكوز .

وكذلك لو حلف بالله لآكلن هذا الرغيف اليوم ، فأكله كله إلا فتاته وغابت الشمس فقد حنث - وهكذا في الرمانة ، وفي كل شيء في العالم لا يحنث ببعض ما حلف عليه ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان .

وقال المالكيون : يحنث بأكل بعضه وشرب بعضه .

قال أبو محمد : نسألهم عن رجل أكل بعض رغيف لزيد فشهد عليه شاهدان أنه أكل رغيف زيد ؟ أصادقان هما أم كاذبان ؟ فمن قولهم إنهما كاذبان مبطلان ، فأقروا على أنفسهم بالفتيا بالكذب ، وبالباطل ، وبالمشاهدة يدرى فساد هذا القول ، لأنه إنما حلف أن لا يأكله ، لم يحلف أن لا يأكل منه شيئا ، وهو إذا أبقى منه شيئا فلم يفعل ما حلف عليه ، والأموال محظورة إلا بنص ، ولا نص في صحة قولهم .

وقال قائلهم : الحنث ، والتحريم ، وكلاهما يدخل بأرق الأسباب ؟ فقلنا : هذا باطل ما يدخل الحنث والتحريم لا بأرق الأسباب ، ولا بأغلظها ، ولا يدخل التحليل أيضا لا بأرق الأسباب ، ولا بأغلظها - وكل هذا باطل وإفك ، ولا يدخل الحنث ، والبر ، والتحريم ، والتحليل ; إلا حيث أدخل الله تعالى منها في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأطرف شيء أنهم قالوا : تحريم زوجة الأب على الابن يدخل بأرق الأسباب - وهو العقد وحده ؟ فقلنا لهم : نسيتم أنفسكم ، أو لم يكن فرج هذه المرأة حراما على الأب ، كما هي على الابن ، ثم دخل التحليل للأب بأرق الأسباب - وهو العقد وحده - فأين قولكم : إن التحليل لا يدخل إلا بأغلظ الأسباب ؟ وكم هذا التخليط بما لا يعقل في دين الله تعالى ؟ وقالوا : والتحليل لا في المطلقة ثلاثا لا يدخل إلا بأغلظ الأسباب - وهو العقد ، والوطء ؟ فقلنا : نقضتم قولكم قولوا بقول الحسن ، وإلا فقد أفسدتم بنيانكم ، لأنه يقول : لا تحل المطلقة ثلاثا إلا بالعقد ، والوطء ، والإنزال فيها ، وإلا فلا ، وهذا أغلظ الأسباب والقوم في لا شيء - ونحمد الله على السلامة . [ ص: 316 ]

وابنة الزوجة لا تحرم على زوج أمها بأرق الأسباب الذي هو العقد ، لكن بالدخول بالأم مع العقد ، فهذا تحريم لم يدخل إلا بأغلظ الأسباب .

ثم تناقضهم ههنا طريف جدا ، لأن من قولهم : إن من حلف أن لا يأكل رغيفا فأكل نصف رغيف يحنث ، ومن حلف أن لا يهب لزيد عشرة دنانير فوهب له تسعة دنانير أنه لا يحنث ، فأي فرق بين هذا كله لو كان ههنا تقوى ؟

واحتج بعضهم في ذلك - : بأن من حلف أن لا يدخل دار زيد فدخل شيئا منها فإنه يحنث ; فقلنا لهم : إنما يكون الحنث بمخالفة ما حلف عليه ، ولا يكون في اللغة والمعقول دخول الدار إلا بدخول بعضها ، لا بأن يملأها بجثته ، بخلاف أكل الرغيف ، ولو أنه دخل بعضه الدار لا كله لم يحنث ، لأنه لم يدخلها - وهم مجمعون معنا على : أن من حلف أن لا يهدم هذا الحائط فهدم منه مدرة أنه لا يحنث

التالي السابق


الخدمات العلمية