صفحة جزء
1182 - مسألة :

ومن حنث وهو عاجز عن كل ذلك - : ففرضه الصوم قدر عليه حينئذ أو لم يقدر ، متى قدر فلا يجزيه إلا الصوم ، فإن أيسر بعد ذلك وقدر على العتق ، والإطعام ، والكسوة لم يجزه شيء من ذلك إلا الصوم ، فإن مات ولم يصم صام عنه وليه ، أو استؤجر عنه من رأس ماله من يصوم عنه ، لأن الصوم قد تعين عليه وجوبه حين حنث ، وصح لزومه إياه فلا يجوز سقوط ما أوجبه الله تعالى عليه يقينا ، لا شك فيه بدعوى كاذبة .

وقال بعض القائلين : إن أيسر قبل أن يصوم ، أو قبل أن يتم الصوم : انتقل حكمه إلى العتق ، أو الإطعام ، أو الكسوة .

قال أبو محمد : وهذه دعوى فاسدة ، وليت شعري ما الفرق بين أن يعسر بعد أن [ ص: 337 ] يوسر فلا ينقلونه إلى جواز الصيام عنه ، أو وجوبه عليه ، وبين أن يوسر بعد ما يعسر فينقلونه إلى وجوب العتق ، أو الإطعام ، أو الكسوة ؟ فإن قالوا : إنما لزمه الصيام لضرورة عدمه ؟ قلنا : كذب من قال هذا ، وأخبر عن الله تعالى بالباطل ، وقد وجدنا الله تعالى عوض من العتق في كفارة الظهار ، وقتل الخطإ - : الصيام لا الإطعام ، ثم عوض من الصيام من لا يقدر عليه في كفارة الظهار الإطعام ولم يعوض منه في كفارة القتل إطعاما ، وخير في جزاء الصيد بين الإطعام والصيام ، والهدي ، والله تعالى يفعل ما يشاء { لا يسأل عما يفعل } و { يحكم لا معقب لحكمه } ولا يجوز تغيير ما أوجب الله تعالى عن ما أوجبه .

واختلف المخالفون لنا في هذا - : فقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إن قدر على الإطعام ، أو الكسوة ، أو العتق ، قبل أن يتم جميع صيام الثلاثة الأيام : بطل حكم الصوم ، ولزمه أحد ما قدر عليه من ذلك .

قال الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري : إن كان قد أتم صيام يومين صام اليوم الثالث فقط ، وإن كان لم يصم تمام اليومين انتقل عن حكم الصوم ولزمه أحد ما قدر عليه من ذلك .

وقال آخرون : إن كان قد تم له صيام يوم واحد تمادى على صيام اليومين الباقيين وأجزأه ، وإن كان لم يتم له صيام يوم واحد انتقل عن حكم الصوم ولزمه أحد ما قدر عليه من ذلك - هو قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأحد قولي الشافعي .

وقال مالك : إن دخل في الصوم ثم أيسر فليتماد في صومه ، وإن لم يدخل فيه بطل حكم الصوم وانتقل إلى العتق ، أو الكسوة ، أو الإطعام - وهو قول الحسن ، وعطاء .

وقال الله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } .

وهذه أقوال لا نص قرآن فيها ولا سنة - : فصح أنها آراء مجردة ، ولا فرق بين [ ص: 338 ] يساره قبل أن يشرع في الصوم ، وبين يساره بعد أن يشرع فيه ، وإنما الحكم للحال التي أوجب الله تعالى فيها عليه ما أوجب .

ونسألهم كلهم عمن حنث وهو معسر : هل عليه لله تعالى كفارة مفترضة ؟ أم ليس لله تعالى عليه كفارة مفترضة ، ولا بد من أحدهما ؟ فمن قولهم : إن لله تعالى عليه كفارة مفترضة - ولو قالوا : غير هذا لخالفوا نص القرآن بلا برهان ; فإذ الكفارة عليه ولا بد ، فنسألهم ما هي ؟ فإن قالوا : هي التي افترض الله تعالى عليه في القرآن ؟ قلنا : صدقتم ، فإذ قد أقررتم بذلك فمن أين سقطت عندكم بيساره بعد ذلك ، وليس هذا في القرآن ولا في السنة ؟ وما كان هكذا فهو باطل بلا شك .

وإن قالوا : هي غير التي افترض الله تعالى عليه ، أو قسموا كانوا قائلين بلا برهان ، وكفونا مؤنتهم - ولله تعالى الحمد - .

وقولنا هذا هو قول أبي سليمان وأصحابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية