صفحة جزء
. 129 - مسألة : وتطهير جلد الميتة ، أي ميتة كانت - ولو أنها جلد خنزير أو كلب أو سبع أو غير ذلك - فإنه بالدباغ - بأي شيء دبغ - طاهر ، فإذا دبغ حل بيعه والصلاة عليه ، وكان كجلد ما ذكي مما يحل أكله ، إلا أن جلد الميتة المذكور لا يحل أكله بحال ، حاشا جلد الإنسان ، فإنه لا يحل أن يدبغ ولا أن يسلخ ، ولا بد من دفنه وإن كان كافرا .

وصوف الميتة وشعرها وريشها ووبرها حرام قبل الدباغ حلال بعده ، وعظمها وقرنها مباح كله لا يحل أكله ولا يحل بيع الميتة ولا الانتفاع بعصبها ولا شحمها .

حدثني أحمد بن قاسم ثنا أبي قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة - ثنا زيد بن أسلم أنه سمع عبد الرحمن بن وعلة المصري يقول : سمعت ابن عباس يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أيما إهاب دبغ فقد طهر } " .

حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة لمولاة لميمونة ميتة فقال : أفلا انتفعتم بإهابها قالوا : وكيف وهي ميتة يا رسول الله ؟ قال : إنما حرم لحمها } .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة ملقاة ، فقال لمن هذه ، قالوا لميمونة ، قال : ما عليها لو انتفعت بإهابها قالوا إنها ميتة . قال : إنما حرم الله أكلها } . [ ص: 129 ]

حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ، وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وابن أبي عمر ، كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال { تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت : فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ؟ فقالوا : إنها ميتة فقال : إنما حرم أكلها } .

حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس { أخبرتني ميمونة أن شاة ماتت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا دبغتم إهابها } .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا عبيد الله بن سعيد ثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن الجون بن قتادة عن سلمة بن المحبق { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة فقالت : ما عندي إلا في قربة لي ميتة . قال : أليس قد دبغتها ؟ قالت : بلى . قال : فإن دباغها ذكاتها } .

حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري ثنا محمد بن حاتم ثنا هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن ثنا جون بن قتادة التميمي قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال في حديث ذكره - فإن { دباغ [ ص: 130 ] الميتة طهورها } قال علي : جون وسلمة لهما صحبة .

حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح { عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل يا رسول الله : أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ قال لا . هو حرام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه } .

قال علي : ذهب أحمد بن حنبل إلى أنه لا يحل استعمال جلد الميتة وإن دبغ ، وذكر ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن قدامة ثنا جرير عن منصور عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال { كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تستنفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب } . قال علي : هذا خبر صحيح ولا يخالف ما قبله .

بل هو حق ، لا يحل أن ينتفع من الميتة بإهاب إلا حتى يدبغ ، كما جاء في الأحاديث الأخر ، إذ ضم أقواله عليه السلام بعضها لبعض فرض ، ولا يحل ضرب بعضها ببعض ، لأنها كلها حق من عند الله عز وجل .

قال الله تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } وقال تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }

وروي عن عائشة أم المؤمنين بإسناد في غاية الصحة { دباغ الأديم ذكاته } وهذا عموم لكل أديم .

وعن ابن عباس عن أم المؤمنين ميمونة : أنها دبغت [ ص: 131 ] جلد شاة ميتة فلم تزل تنبذ فيه حتى بلي ، وعن عمر بن الخطاب : دباغ الأديم ذكاته .

وقال إبراهيم النخعي - في جلود البقر والغنم تموت فتدبغ : إنها تباع وتلبس . وعن الأوزاعي إباحة بيعها . وعن سفيان الثوري إباحة الصلاة فيها . وعن الليث بن سعد إباحة بيعها . وعن سعيد بن جبير في الميتة : دباغها ذكاتها ، وأباح الزهري جلود النمور ، واحتج بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في جلد الميتة ، وعن عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وابن سيرين مثل ذلك . وقال أبو حنيفة : جلد الميتة إذا دبغ وعظامها وعصبها وعقبها وصوفها وشعرها ووبرها وقرنها لا بأس بالانتفاع بكل ذلك ، وبيعه جائز ، والصلاة في جلدها إذا دبغ جائز ، أي جلد كان حاشا جلد الخنزير .

وقال مالك : لا خير في عظام الميتة وهي ميتة ، ولا يصلى في شيء من جلود الميتة وإن دبغت ، ولا يحل بيعها ، أي جلد كان ، ولا يستقى فيها ، لكن جلود ما يؤكل لحمه إذا دبغت جاز القعود عليها وأن يغربل عليها ، وكره الاستقاء فيها بآخرة لنفسه ، ولم يمنع عن ذلك غيره . ورأى جلود السباع إذا دبغت مباحة للجلوس والغربلة . ولم ير جلد الحمار وإن دبغ يجوز استعماله ، ولم ير استعمال قرن الميتة ولا سنها ولا ظلفها ولا ريشها . وأباح صوف الميتة وشعرها ووبرها . وكذلك إن أخذت من حي .

وقال الشافعي : يتوضأ في جلود الميتة إذا دبغت أي جلد كان . إلا جلد كلب أو خنزير .

ولا يطهر بالدباغ لا صوف ولا شعر ولا وبر ولا عظم ولا قرن ولا - سن ولا ريش . إلا الجلد وحده فقط .

قال علي : أما إباحة أبي حنيفة العظم والعقب من الميتة فخطأ ، لأنه خلاف الأثر الصحيح الذي أوردنا { ألا ننتفع من الميتة بإهاب ولا عصب } وجاء الخبر بإباحة الإهاب إذا دبغ ، فبقي العصب على التحريم ، والعقب عصب بلا شك ، وكذلك تفريقه بين جلود السباع والميتات وجلد الخنزير خطأ ، لأن كل ذلك ميتة محرم ، ولا نعلم هذه التفاريق ولا هذا القول عن أحد قبله .

وأما تفريق مالك بين جلد ما يؤكل لحمه وبين جلد ما لا يؤكل لحمه فخطأ ، لأن الله تعالى حرم الميتة كما حرم الخنزير ولا فرق . قال الله تعالى : { حرمت عليكم [ ص: 132 ] الميتة والدم ولحم الخنزير } ولا فرق بين كبش ميت وبين خنزير ميت عنده ولا عندنا ولا عند مسلم في التحريم . وكذلك فرقه بين جلد الحمار وجلد السباع خطأ ، لأن التحريم جاء في السباع كما جاء في الحمير ولا فرق ، والعجب أن أصحابه لا يجيزون الانتفاع بجلد الفرس إذا دبغ ، ولحمه إذا ذكي حلال بالنص ، ويجيزون الانتفاع بجلد السبع إذا دبغ ، وهو حرام لا تعمل فيه الذكاة بالنص ، وكذلك منعه من الصلاة عليها إذا دبغت خطأ ; لأنه تفريق بين وجوه الانتفاع بلا نص قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا تابع ولا قياس ، ولا نعلم هذا التفريق عن أحد قبله .

وأما تفريق الشافعي بين جلود السباع وجلد الكلب والخنزير فخطأ ، لأن كل ذلك ميتة حرام سواء ، ودعواه أن معنى قوله عليه السلام : { إذا دبغ الإهاب فقد طهر } أن معناه عاد إلى طهارته خطأ ، وقول بلا برهان ، بل هو على ظاهره أنه حينئذ طهر ، ولا نعلم هذا التفريق عن أحد قبله .

قال علي : أما كل ما كان على الجلد من صوف أو شعر أو وبر فهو بعد الدباغ طاهر كله لا قبل الدباغ ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن على جلود الميتة الشعر والريش والوبر والصوف ، فلم يأمر بإزالة ذلك ولا أباح استعمال شيء من ذلك قبل الدباغ ، وكل ذلك قبل الدباغ بعض الميتة حرام ، وكل ذلك بعد الدباغ طاهر ليس ميتة ، فهو حلال حاشا أكله ، وإذ هو حلال فلباسه في الصلاة وغيرها وبيع كل ذلك داخل في الانتفاع الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أزيل ذلك عن الجلد قبل الدباغ لم يجز الانتفاع بشيء منه ، وهو حرام ، إذ لا يدخل الدباغ فيه ، وإن أزيل بعد الدباغ فقد طهر ، فهو حلال بعد كسائر المباحات حاشا أكله فقط .

وأما العظم والريش والقرن فكل ذلك من الحي بعض الحي ، والحي مباح ملكه وبيعه إلا ما منع من ذلك نص ، وكل ذلك من الميتة ميتة ، وقد صح تحريم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الميتة ، وبعض الميتة ميتة ، فلا يحل بيع شيء من ذلك ، والانتفاع بكل ذلك جائز ، لقوله عليه السلام : { إنما حرم أكلها } فأباح ما عدا ذلك إلا ما حرم باسمه من بيعها والادهان بشحومها ، ومن عصبها ولحمها .

وأما شعر الخنزير وعظمه فحرام كله ، لا يحل أن يتملك ولا أن ينتفع بشيء منه ; لأن الله تعالى قال : { أو لحم خنزير فإنه رجس } والضمير راجع [ ص: 133 ] إلى أقرب مذكور ، فالخنزير كله رجس ، والرجس واجب اجتنابه ، بقوله تعالى : { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } حاشا الجلد فإنه بالدباغ طاهر بعموم قوله عليه السلام { وأيما إهاب دبغ فقد طهر } قال علي : وأما جلد الإنسان فقد صح { نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة } ، والسلخ أعظم المثلة ، فلا يحل التمثيل بكافر ولا مؤمن ، وصح أمره عليه السلام بإلقاء قتلى كفار بدر في القليب ، فوجب دفن كل ميت كافر ومؤمن . وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية