صفحة جزء
1265 - مسألة :

وكل من عدا عليه حيوان متملك من بعير ، أو فرس أو بغل ، أو [ ص: 443 ] فيل ، أو غير ذلك ، فلم يقدر على دفعه عن نفسه إلا بقتله فقتله فلا ضمان عليه فيه - وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان .

وقال الحنفيون : يضمنه ، واحتجوا بالخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم { العجماء جرحها جبار } . وبالخبر الذي رويناه من طريق عبد الكريم " إن إنسانا عدا عليه فحل ليقتله فضربه بالسيف فقتله فأغرمه أبو بكر إياه ، وقال : بهيمة لا تعقل " .

وعن علي بن أبي طالب نحوه .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال " من أصاب العجماء غرم " .

ومن طريق سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن أشياخ لهم : أن غلاما دخل دار زيد بن صوحان فضربته ناقة لزيد فقتلته فعمد أولياء الغلام فعقروها فأبطل عمر بن الخطاب دم الغلام وأغرم والد الغلام ثمن الناقة .

وعن شريح مثل هذا .

قال علي : أما الحديث { جرح العجماء جبار } ففي غاية الصحة ، وبه نقول ولا حجة لهم فيه ، لأننا لم نخالفهم في أن ما جرحته العجماء لا يغرم وليس فيه إلا هذا بل هو حجة عليهم في تضمينهم الراكب ، والسائق ، والقائد ، ما أصاب العجماء مما لم يحملها عليه فهم المخالفون لهذا الأثر .

وأما حديث عمر بن الخطاب ، وشريح ، فيه نقول : من قتلت بهيمة وليه فمضى [ ص: 444 ] بعد جنايتها فقتلها فهو ضامن لها ، لأنها لا ذنب لها - وأما قول أبي هريرة فصحيح ، ومن أصاب العجماء قاصدا لها غير مضطر فهو غارم .

وأما الرواية عن أبي بكر ، وعلي ، فمنقطعة ولا حجة في منقطع لو كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف عمن دونه ؟ ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة وكم قصة خالفوا فيها أبا بكر وغيره حيث لا يجوز خلافه ، أقرب ذلك ما أوردنا عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي رضي الله عنهم من تقيئهم ما أكلوا أو شربوا مما لا يحل فخالفوا ، فإنما هم حجة عندهم ، حيث وافقوا أبا حنيفة لا حيث خالفوه ، وهذا تلاعب بالدين . والعجب أنهم يقولون : إن الأسد ، والسبع ، حرام قتله في الحرم وعلى قاتله الجزاء ، إلا أن يبتدئ المحرم بأذى فله قتله ولا يجزيه - فكم هذا التناقض ، والهدم ، والبناء ؟ ولقد كان يلزم المالكيين المشنعين بقول الصاحب إذا وافقهم والقائلين بأن المرسل والمسند سواء أن يقولوا بهذا ، ولكنه مما تناقضوا فيه .

قال علي : لا يخلو من عدت البهيمة عليه فخشي أن تقتله أو أن تجرحه ، أو أن تكسر له عضوا أو أن تفسد ثيابه من أن يكون مأمورا بإباحة ذلك لها ، منهيا عن الامتناع منها ودفعها ، وهذا مما لا يقولونه ، ولو قالوه لكان زائدا في ضلالهم ، لأن الله تعالى يقول : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وهذا على عمومه ، أو يكون مأمورا بدفعها عن نفسه منهيا عن إمكانها من روحه ، أو جسمه ، أو ماله ، أو أخيه المسلم ، وهذا هو الحق لما ذكرنا .

فإذا هو مأمور بذلك ولم يقدر على النجاة منها إلا بقتلها فهو مأمور بقتلها ، لأن قتلها هو الدفع الذي أمر به [ ومن فعل ما أمر به ] فهو محسن [ وإذ هو محسن ] فقد قال تعالى : { ما على المحسنين من سبيل }

التالي السابق


الخدمات العلمية