صفحة جزء
وأما إن قتل المرء عبدا لغيره ، أو أمة عمدا أو خطأ ، فقيمتهما ولا بد لسيدهما بالغة ما بلغت لما ذكرنا - وقد اختلف الناس في هذا - : فروينا عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي أن عبدا قتل خطأ وكان ثمنه عشرة آلاف درهم فجعل سعيد بن العاص ديته أربعة آلاف .

وصح عن النخعي ، والشعبي ، قالا جميعا : لا يبلغ بدية العبد دية الحر .

ورويناه أيضا عن عطاء ، والحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان .

وبه يقول سفيان الثوري ، قال : ينقص منها الدرهم ونحوه ، وقال عطاء : لا يتجاوز به دية الحر ; وصح أيضا عن حماد بن أبي سليمان .

وقال أبو حنيفة ، وزفر ، ومحمد : إن كان عبدا فقيمته ما لم يبلغ عشرة آلاف درهم ، فإن بلغها أو تجاوزها بما قل أو كثر لم يغرم قاتله إلا عشرة آلاف درهم ، غير عشرة دراهم . [ ص: 456 ] وإن كانت أمة فقيمتها ما لم تبلغ خمسة آلاف درهم ، فإن بلغتها أو تجاوزتها بما قل أو كثر لم يغرم قاتلها إلا خمسة آلاف درهم غير خمسة دراهم - وقالت طائفة : يغرم القيمة بالغة ما بلغت .

روينا من طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن بكر عن ابن جريج عن عبد الكريم عن علي بن أبي طالب : وابن مسعود ، وشريح ، قالوا : ثمنه ، وإن خالف دية الحر - وصح هذا أيضا عن سعيد بن المسيب ، والحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم النخعي أيضا ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري .

ورويناه أيضا عن عمر بن عبد العزيز ، وإياس بن معاوية ، وعطاء ، ومكحول ، وهو قول مالك ، وأبي يوسف ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي سليمان ، وغيرهم .

قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة ففي غاية السقوط ; لأنه حد ما يسقط من ذلك بحد لا يحفظ عن أحد قبله ، وإنما هو من رأيه الفاسد .

وقال مقلدوه : ينقص من ذلك ما تقطع فيه اليد ؟ قلنا : ومن أين لكم هذا ؟ ثم قد تناقضتم فأسقطتم من دية المرأة خمسة دراهم ، وليس تقطع فيها اليد في قولكم ، فقد أبطلتم ما أصلتم من كثب .

ثم نقول لهم : وهلا نقصتم من الدية ما نقصتم من الأربعين درهما في جعل الآبق إذا كان يساويها ؟ وهلا نقصتم من الدية ما تجب فيه الزكاة ؟ وهل هذا إلا رأي زائف مجرد ؟ وكل قول لم يقم عليه دليل أصلا ، ولا كان له سلف فأولى قول بالاطراح .

ثم نظرنا في قول من قال : لا يبلغ بدية العبد دية الحر - : فوجدناه قولا فاسدا لا دليل عليه ، ثم هم يتناقضون ، فيقولون : فيمن قتل كلبا يساوي ألفي دينار : أنه يعطي ألفي دينار ، وإن عقر خنزيرا لذمي يساوي ألف دينار أدى إليه ألف دينار ، وإن قتل نصرانيا يجعل لله تعالى الولد وأم الولد : أنه يعطي فيه دية المسلم ؟ فيا للمسلمين أيبلغ كلب ، وخنزير ، ومن هو شر من الكلب ، والخنزير : دية المسلم ، ولا يبلغ بلال لو قتل قبل أن يعتق دية مسلم ؟ نعم ، ولا دية كافر يعبد الصليب ، وهو خير من كل مسلم على ظهر الأرض اليوم عند الله تعالى ، وعند أهل الإسلام .

[ ص: 457 ] ثم قد تناقضوا فقالوا : من غصب عبدا فمات عنده وقيمته عشرة آلاف دينار أدى عشرة آلاف دينار فهل سمع بأسخف من هذا التناقض ؟ ثم قد جعلوا دية العبد عشرة آلاف درهم غير درهم أو غير عشرة دراهم فتجاوزوا بها دية الحرة المسلمة - وهذه وساوس يغني ذكرها عن تكلف الرد عليها .

وقد روي ما ذكرنا عن ابن مسعود ، وعلي ، وما نعلم لهم مخالفا من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك فخالفوهما .

وقد جسر بعضهم فقال : قد أجمع على المقدار الذي ذكرنا واختلف فيما زاد ؟ فقلنا : كذبت وأفكت هذا سعيد بن العاص أمير الكوفة لعثمان رضي الله عنه وأمير المدينة ، ومكة لمعاوية ، لا يتجاوز بدية العبد أربعة آلاف درهم .

قال أبو محمد : والعبد ، والأمة مال ، فعلى متلفهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية