صفحة جزء
وكذلك إذا كانت النجاسة أو الحرام على جرم طاهر فأزلناها ، فإن النجس لم يطهر والحرام لم يحل ، لكنه زايل الحلال الطاهر ، فقدرنا على أن نستعمله حينئذ حلالا طاهرا كما كان .

وكذلك إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام ، فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم فيه ، وانتقل إلى اسم آخر وارد على حلال طاهر ، فليس هو ذلك النجس ولا الحرام ، بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر .

وكذلك إذا استحالت صفات عين الحلال الطاهر ، فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم فيه ، وانتقل إلى اسم آخر وارد على حرام أو نجس ، فليس هو ذلك الحلال الطاهر ، بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر كالعصير يصير خمرا ، أو الخمر يصير خلا ، أو لحم الخنزير تأكله دجاجة يستحيل فيها لحم دجاج حلالا وكالماء يصير بولا ، والطعام يصير عذرة ، والعذرة والبول تدهن بهما الأرض فيعودان ثمرة حلالا ، ومثل هذا كثير ، وكنقطة ماء تقع في خمر أو نقطة خمر تقع في ماء ، فلا يظهر لشيء [ ص: 144 ] من ذلك أثر ، وهكذا كل شيء ، والأحكام للأسماء والأسماء تابعة للصفات التي هي حد ما هي فيه المفرق بين أنواعه .

وأما إباحة بيعه والاستصباح به ، فإنما بيع الجرم الحلال لا ما مازجه من الحرام ، وبيع الحلال حلال كما كان قبل . ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل . وممن أجاز بيع المائعات تقع فيها النجاسة والانتفاع بها : علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري والقاسم وسالم وعطاء والليث وأبو حنيفة وسفيان وإسحاق وغيرهم .

فإن قيل : فإن في الناس من يحرم ذلك ولا يستجيز أن يأخذه ولو أعطيه بلا ثمن ، فكتمانه ذلك غش ، والغش حرام ، والدين النصيحة . قلنا نعم ، كما أن أكثر الناس لا يستسهل أن يأخذ مائعا وقعت فيه مخطة مجذوم ، أو أدخل فيه يده ، ولو أعطيه بلا ثمن ، وهذا عند الجامدين من خصومنا لا معنى له ، وليس شيء من هذا غشا ، إنما الغش ما كان في الدين ، والنصيحة كذلك ، لا في الظنون الكاذبة المخالفة لأمر الله تعالى .

على أن في القائلين من يقول بأن البصاق نجس ممن هو أفضل من الأرض مملوءة من مثل من قلده هؤلاء المتأخرون ، كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو عامر العقدي ثنا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن ربعي بن حراش عن سلمان هو الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا بصقت على جلدك وأنت متوضئ فإن البصاق ليس بطاهر فلا تصل حتى تغسله " . قال ابن المثنى : وحدثنا مخلد بن يزيد الحراني عن التيمي عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال : البصاق بمنزلة العذرة ، ولكن لا حجة في أحد من الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما حكم البائل فلما حدثنا أحمد بن القاسم حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا حامد بن يحيى البلخي ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب هو السختياني - عن محمد هو ابن سيرين - عن أبي هريرة [ ص: 145 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه } .

حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه } . حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه } . فلو أراد عليه السلام أن ينهى عن ذلك غير البائل لما سكت عن ذلك عجزا ولا نسيانا ولا تعنيتا لنا بأن يكلفنا علم ما لم يبده لنا من الغيب ، فأما أمر الكلب فقد مضى الكلام فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية