صفحة جزء
1307 - مسألة : والإجارة جائزة على تعليم القرآن ، وعلى تعليم العلم مشاهرة وجملة ، وكل ذلك جائز - وعلى الرقي ، وعلى نسخ المصاحف ، ونسخ كتب العلم ; لأنه لم يأت في النهي عن ذلك نص ، بل قد جاءت الإباحة - : كما روينا من طريق البخاري نا أبو محمد سيدان بن مضارب الباهلي نا أبو معشر البراء هو صدوق يوسف بن يزيد حدثني عبيد الله بن الأخنس أبو مالك عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس { أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال : هل فيكم من راق ؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا : يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله } . [ ص: 19 ] والخبر المشهور { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج امرأة من رجل بما معه من القرآن } أي ليعلمها إياه - وهو قول مالك ، والشافعي ، وأبي سليمان .

وقال أبو حنيفة ، والحسن بن حي : لا تجوز الأجرة على تعليم القرآن ، واحتج له مقلدوه بخبر رويناه من طريق قاسم بن أصبغ نا عبد الله بن روح نا شبابة - هو ابن ورقاء - نا أبو زيد عبد الله بن العلاء الشامي نا بشر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني قال : { كان عند أبي بن كعب ناس يقرئهم من أهل اليمن فأعطاه أحدهم قوسا يتسلحها في سبيل الله تعالى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتحب أن تأتي بها في عنقك يوم القيامة نارا } .

ورويناه أيضا من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع ، وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن المغيرة بن زياد الموصلي عن عبادة بن نسي قاضي الأردن عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة القوس وأيضا من طريق أبي داود عن عمرو بن عثمان نا بقية نا بشر بن عبد الله بن يسار عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

ومن طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن عبد ربه بن سليمان بن عمير بن زيتون عن الطفيل بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرض له ذلك في القوس مع أبي بن كعب وفيه زيادة : { أنه قال : يا رسول الله إنا نأكل من طعامهم . قال : أما طعام صنع لغيرك فحضرته فلا بأس أن تأكله وأما ما صنع لك فإن أكلته فإنما تأكله بخلافك } .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن ميسر أبو سعد عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه { أن أبي بن كعب غداه رجل كان يقرئه القرآن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كان شيء يتحفك به فلا خير فيه ، وإن كان من طعامه وطعام أهله فلا بأس } . [ ص: 20 ] ومن طريق ابن أبي شيبة نا عفان بن مسلم نا أبان بن يزيد العطار حدثني يحيى بن أبي كثير عن زيد - هو ابن أبي سلام - عن أبي سلام - هو ممطور الحبشي - عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { تعلموا القرآن ولا تعلوا عنه ولا تجفوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكبروا به ولا تستكثروا به } .

ورويناه عن عوف بن مالك من قوله مثل هذا أنه قال في قوس أهداها إنسان إلى من كان يقرئه أتريد أن تعلق قوسا من نار " . وصح عن عبد الله بن مغفل أنه أعطاه الأمير مالا لقيامه بالناس في رمضان فأبى وقال : إنا لا نأخذ للقرآن أجرا .

ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله - هو الطحان - عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن شقيق قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف وتعليم الغلمان بالأرش ويعظمون ذلك .

وصح عن إبراهيم أنه كره أن يشترط المعلم وأن يأخذ أجرا على تعليم القرآن .

ومن طريق شعبة ، وسفيان ، كلاهما عن أبي إسحاق الشيباني عن أسير بن عمرو قال شعبة في روايته : إن عمار بن ياسر أعطى قوما قرءوا القرآن في رمضان فبلغ ذلك عمر فكرهه - وقال سفيان في روايته : إن سعد بن أبي وقاص قال : من قرأ القرآن ألحقته على ألفين . فقال عمر أو يعطى على كتاب الله ثمنا ؟ .

وصح عن عبد الله بن يزيد ، وشريح : لا تأخذ لكتاب الله ثمنا .

ومن طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان القرشي عن بلال بن سعد الدمشقي عن الضحاك بن قيس أنه قال لمؤذن معلم كتاب الله : إني لأبغضك في الله لأنك تتغنى في أذانك وتأخذ لكتاب الله أجرا .

وكره ابن سيرين الأجرة على كتابة المصاحف . وعن علقمة أنه كره ذلك أيضا .

قال أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به .

وقد ذكرنا عن سعد ، وعمار الآن أنهما أعطيا على قراءة القرآن .

[ ص: 21 ] وروينا من طريق ابن أبي شيبة عن صدقة الدمشقي عن الوضين بن عطاء قال : كان بالمدينة ثلاثة معلمين يعلمون الصبيان ، فكان عمر بن الخطاب يرزق كل واحد منهم خمسة عشر كل شهر .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا مهدي بن ميمون عن ابن سيرين قال : كان بالمدينة معلم عنده من أبناء أولياء الفخام فكانوا يعرفون حقه في النيروز والمهرجان .

قال أبو محمد : محمد بن سيرين أدرك أكابر الصحابة ، وأخذ عنهم أبي بن كعب وأبو قتادة فمن دونهما .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا يزيد بن هارون نا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : ما علمت أحدا كره أجر المعلم .

وصح عن عطاء ، وأبي قلابة إباحة أجر المعلم على تعليم القرآن .

وأجاز الحسن ، وعلقمة في أحد قوليه الأجرة على نسخ المصاحف قال أبو محمد : أما الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح منها شيء .

أما حديث أبي إدريس الفلاني أن أبي بن كعب فمنقطع ، لا يعرف لأبي إدريس سماع مع أبي .

والآخر أيضا منقطع ; لأن علي بن رباح لم يدرك أبي بن كعب .

وأما حديث عبادة بن الصامت فأحد طرقه عن الأسود بن ثعلبة وهو مجهول لا يدرى قاله علي بن المديني ، وغيره : والآخر من طريق بقية وهو ضعيف . والثالث من طريق إسماعيل بن عياش وهو ضعيف ; ثم هو منقطع أيضا .

وأما حديث عبد الرحمن بن شبل ففيه أبو راشد الحبراني وهو مجهول . ثم لو صحت لكانت كلها قد خالفها أبو حنيفة وأصحابه ; لأنها كلها إنما جاءت فيما أعطي بغير أجرة ولا مشارطة ، وهم يجيزون هذا الوجه فموهوا بإيراد أحاديث ليس فيها شيء مما منعوا - وهم مخالفون لما فيها - فبطل كل ما في هذا الباب ، والصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا ، فبقي الأثران الصحيحان عن رسول الله اللذان أوردنا لا معارض لهما - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية