صفحة جزء
[ ص: 33 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الجعل في الآبق وغيره 1327 - مسألة : لا يجوز الحكم بالجعل على أحد ، فمن قال لآخر : إن جئتني بعبدي الآبق فلك علي دينار ، أو قال : إن فعلت كذا وكذا فلك علي درهم ، أو ما أشبه هذا فجاءه بذلك - أو هتف وأشهد على نفسه : من جاءني بكذا فله كذا ، فجاءه به لم يقض عليه بشيء ، ويستحب لو وفى بوعده .

وكذلك من جاءه بآبق ، فلا يقضى له بشيء سواء عرف بالمجيء بالإباق أو لم يعرف بذلك ، إلا أن يستأجره على طلبه مدة معروفة ، أو ليأتيه به من مكان معروف ، فيجب له ما استأجره به .

وأوجب قوم الجعل وألزموه الجاعل - واحتجوا بقول الله تعالى : { أوفوا بالعقود } .

وبقول يوسف صلى الله عليه وسلم وخدمته عنه : { قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } .

وبحديث الذي رقى على قطيع من الغنم - وقد ذكرناه في " الإجارات " فأغنى عن إعادته .

قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه - : [ ص: 34 ] أما قول الله تعالى : { أوفوا بالعقود } فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام } .

وقال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } فصح أنه ليس لأحد أن يعقد في دمه ، ولا في ماله ، ولا في عرضه ، ولا في بشرته عقدا ، ولا أن يلتزم في شيء من ذلك حكما ، إلا ما جاء النص بإيجابه باسمه ، أو بإباحته باسمه . فصح أن العقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها إنما هي العقود المنصوص عليها بأسمائها ، وأن كل ما عداها فحرام عقده .

وأيضا : فإن الله عز وجل يقول : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } . فصح أن من التزم أن يفعل شيئا ولم يقل : إن شاء الله ، فقد خالف أمر الله تعالى ، وإذا خالف أمر الله تعالى لم يلزمه عقد خالف فيه أمر ربه عز وجل ، بل هو معصية يلزمه أن يستغفر الله عز وجل منه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } فإن قال : إلا أن يشاء الله ، فقد علمنا يقينا علم ضرورة إذ قد عقد ذلك العقد بمشيئة الله عز وجل ثم لم ينفذه ولا فعله ، فإن الله تعالى لم يشأه ، إذ لو شاءه الله لأنفذه وأتمه ، فلم يخرج عما التزم من كون ذلك العقد إن شاءه الله تعالى أنفذه وأتمه وإلا فلا .

وأيضا : فإن المخالفين لنا في هذا لا يرون جميع العقود لازمة ، ولا يأخذون بعموم الآية التي احتجوا بها ، بل يقولون فيمن عقد على نفسه أن يصبغ ثوبه أصفر ، أو أن يمشي إلى السوق ، أو نحو هذا : أنه لا يلزمه ، فقد نقضوا احتجاجهم بعمومها ، ولزمهم أن يأتوا بالحد المفرق بين ما يلزمونه من العقود وبين ما لا يلزمونه ، وبالبرهان على صحة ذلك الحد ، وذلك الفرق وإلا فقولهم مردود ، لأنه دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل .

قال الله تعالى : { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } . [ ص: 35 ] والعجب : أن المخالفين لنا يقولون : إن وكد كل عقد عقده بيمين لم يلزمه الوفاء به ، وإنما فيه الكفارة إن لم يف به فقط ، ثم يلزمونه إياه إذا لم يؤكده ، فتراهم كلما أكد العاقد عقده انحل عنه ، وإذا يؤكده لزمه ، وهذا معكوس - وبالله تعالى التوفيق .

وأما قول يوسف عليه السلام فلا يلزم لوجوه - :

أحدها : أن شريعة من قبلنا من الأنبياء عليهم السلام لا تلزمنا ، قال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فضلت على الأنبياء بست ، فذكر عليه السلام منها : وأرسلت إلى الناس كافة } .

وقال عليه السلام أيضا : { أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي } فذكر عليه السلام منها : { وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة } روينا هذا من طريق جابر ، والذي قبله من طريق أبي هريرة .

فإذ قد صح هذا فلم يبعثوا إلينا ، وإذ لم يبعثوا إلينا فلا يلزمنا شرع لم نؤمر به ، وإنما يلزمنا الإيمان بأنهم رسل الله تعالى ، وأن ما أتوا به لازم لمن بعثوا إليه فقط .

وأيضا : فإن المحتجين بهذه الآية أول مخالف لها ; لأنهم لا يلزمون من قال : لمن جاءني بكذا حمل بعير الوفاء بما قال لأن هذا الحمل لا يدرى مم هو ؟ أمن اللؤلؤ ، أو من ذهب ، أو من رماد ، أو من تراب ؟ ولا أي البعران هو ؟ ومن البعران الضعيف الذي لا يستقل بعشرين صاعا ، ومنهم القوي والصحيح الذي يستقل بثلاثمائة صاع ، ولا أشد مجاهرة بالباطل ممن يحتج بشيء هو أول مخالف له على من لم يلتزم قط ذلك الأصل .

وأيضا : فحتى لو كان في شريعتنا لما كان حجة علينا ; لأنه ليس في هذه الآية [ ص: 36 ] إلزام القضاء بذلك ، وإنما فيها : أنه جعل ذلك الجعل فقط ، وليس هذا مما خالفناهم فيه . فبطل تعلقهم بالآيتين جميعا ولله تعالى الحمد .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الراقي فصحيح ، إلا أنه لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه إلا إباحة أخذ ما أعطى الجاعل على الرقية فقط ، وهكذا نقول ، وليس فيه القضاء على الجاعل بما جعل إن أبى أن يعطيه - فسقط كل ما احتجوا به - وبالله تعالى التوفيق .

فإن قيل : إنه وعد . قلنا : قد تكلمنا في الوعد والإخلاف في آخر " كتاب النذور " بما فيه كفاية وكلامنا ههنا فيه بيان أنه ليس كل وعد يجب الوفاء به ، وإنما يجب الوفاء بالوعد بالواجب الذي افترضه الله تعالى فقط ، ولا يلزم أحدا ما التزمه ، لكن ما ألزمه الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو الذي يلزم - سواء التزمه المرء أو لم يلتزمه - وبالله تعالى نتأيد .

ومن العجائب أن الملزمين الوفاء بالجعل يقولون : إنه لا يلزم المجعول له أن يفعل ما جعل له فيه ذلك الجعل ، وهم بزعمهم أصحاب أصول يردون إليها فروعهم ففي أي الأصول وجدوا عقدا متفقا عليه ، أو منصوصا عليه بين اثنين يلزم أحدهما ولا يلزم الآخر .

وقال مالك : ما جاء بالآبق فإن كان ممن يعرف بطلب الإباق فإنه يجعل له على قدر قرب الموضع وبعده ، فإن لم يكن ذلك شأنه ولا عمله ، فلا جعل له ، لكن يعطى ما اتفق عليه فقط .

وقال أبو حنيفة : لا يجب الجعل في شيء إلا في رد الآبق فقط - العبد والأمة سواء - فمن رد آبقا ، أو آبقة من مسيرة ثلاث ليال فصاعدا فله على كل رأس أربعون درهما ، فإن ردهما من أقل من ثلاث رضخ له ، ولا يبلغ بذلك أربعين درهما ، فإن جاء بأحدهما من مسيرة ثلاث ليال فصاعدا ، وهو يساوي أربعين درهما فأقل نقص من قيمته درهم واحد فقط .

ثم رجع أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن عن هذا القول ، فقال محمد : ينقص من قيمته عشرة دراهم ، قال أبو يوسف : له أربعون درهما ولو لم يساو إلا درهما واحدا . [ ص: 37 ]

قال أبو محمد : أما قول مالك فخطأ لا برهان على صحته أصلا ; لأنه تفريق بين ما لا فرق بينه بلا برهان ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه ، وما نعلم هذا القول عن أحد قبله .

ويلزم عليه أن من كان بناء فمر على حائط مائل فأصلحه وبناه : أن له أجرة عليه ، فإن لم يكن بناء وبناه فلا أجر له .

وكذلك من نسج غزلا لآخر لم يأمره به ، فإن كان نساجا فله الأجرة ، وإن لم يكن نساجا فلا أجرة له - والباب يتسع ههنا جدا ، فإما أن يتزيدوا من التحكم في أموال الناس بالباطل ، وإما أن يتناقضوا ، لا بد من أحدهما .

وأما قول أبي حنيفة وأصحابه : ففي غاية الفساد والتخليط ; لأنهم حدوا حدا لم يأت به قط قرآن ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ولا تابع ، ولا أحد قبلهم ، ولا قياس ، ولا رأي يعقل .

ثم فيه من التخاذل ما لا يخفى على ذي مسكة عقل ، وهم قد قالوا : من قتل جارية تساوي مائة ألف درهم فصاعدا ، أو أقل إلى خمسة آلاف درهم لم يكن عليه إلا خمسة آلاف غير خمسة دراهم - ومن قتل عبدا يساوي عشرين ألف درهم فصاعدا ، أو أقل إلى عشرة آلاف درهم لم يكن عليه إلا عشرة آلاف درهم غير عشرة دراهم .

ثم سووا في جعل الآبق بين المرأة والرجل ، وأسقط أبو حنيفة درهما من قيمته إن لم يساو أربعين درهما ، فهلا أسقط من ثمن الذكر عشرة دراهم ومن ثمن الأمة خمسة دراهم كما فعل في القتل ؟ أو هلا أسقط هنالك درهما كما أسقط هنا ؟ وليت شعري من أين قصدوا إلى الدرهم ؟ ولعله بغلي أيضا كالذي حد به النجاسات ، وهلا حد بنصف درهم أو بربع درهم أو بفلس ؟ ثم إيجاب أبي يوسف أربعين درهما في جعله وإن لم يساو إلا درهما فيا لله ويا للمسلمين من أضل طريقة ، أو أبعد عن الحقيقة ، أو أقل مراقبة ممن يعارض حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصراة في أن ترد وصاع تمر لحماقتهم وآرائهم المنتنة فقالوا : أرأيت إن كان اشتراها بنصف صاع تمر ؟ ثم يوجب مثل هذا في الجعل الذي لم يصح فيه سنة قط . [ ص: 38 ] وهلا إذ حمقوا ههنا ؟ قالوا في المصراة : يردها وقيمتها من صاع تمر إن كانت أقل من صاع إلا تمرتين ، أو إلا نصف مد أو نحو ذلك .

ثم موهوا بأنهم اتبعوا في ذلك أثرا مرسلا ، وروايات عن الصحابة رضي الله عنهم - وكذبوا في ذلك كله ، بل خالفوا الأثر المرسل في ذلك ، وخالفوا كل رواية رويت في ذلك عن صاحب أو تابع على ما نذكر إن شاء الله تعالى .

وأعجب شيء دعواهم أن الإجماع قد صح في ذلك ، فإن كان إجماعا فقد خالفوه ، ومن خالف الإجماع عندهم كفر { فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير } وإن لم يكن إجماعا فقد كذبوا على الأمة كلها ، وعلى أنفسهم { انظر كيف كذبوا على أنفسهم } .

روينا من طريق ابن أبي شيبة نا حفص - هو ابن غياث - عن ابن جريج عن عطاء - أو ابن أبي مليكة ، وعمرو بن دينار قالا جميعا : ما زلنا نسمع { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في العبد الآبق يوجد خارجا من الحرم دينارا أو عشرة دراهم } .

ومن طريق وكيع نا ابن جريج عن ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار قالا جميعا : { جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآبق إذا جيء به خارج الحرم دينارا } .

ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن عمرو بن دينار قال { قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الآبق يوجد في الحرم عشرة دراهم } .

وهذا خلاف قول الطائفتين مع قولهما أن المرسل كالمسند ، ولا مرسل أصح من هذا ; لأن عمرا ، وعطاء ، وابن أبي مليكة ثقات أئمة نجوم ، وكلهم أدرك الصحابة ، فعطاء أدرك عائشة أم المؤمنين وصحبها فمن دونها وابن أبي مليكة أدرك ابن عباس ، وابن عمر ، وأسماء بنت أبي بكر ، وابن الزبير ، وسمع منهم وجالسهم .

وعمرو أدرك جابرا ، وابن عباس وصحبهما ، لا سيما مع قول اثنين منهما - لا نبالي أيهما كانا - : أنهما ما زالا يسمعان ذلك .

فهان عند هؤلاء مخالفة كل ذلك تقليدا لخطأ أبي حنيفة ، ومالك ، وسهل عندهم في رد السنن الثابتة بتقليد رواية شيخ من بني كنانة عن عمر : البيع عن صفقة أو خيار - وسائر المرسلات الواهية إذا وافقت رأي أبي حنيفة ، ومالك ، فمن أضل ممن هذه طريقته في دينه ، ونعوذ بالله من الخذلان . [ ص: 39 ]

ومن طريق ابن أبي شيبة نا محمد بن يزيد عن أيوب أبي العلاء عن قتادة وأبي هاشم ، كلاهما قال : إن عمر بن الخطاب قضى في جعل الآبق إذا أصيب في غير مصره أربعين درهما ، فإن أصيب في المصر فعشرين درهما ، أو عشرة دراهم .

ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا يزيد بن هارون نا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب في جعل الآبق دينار ، أو اثنا عشر درهما - وهذا كله خلاف قول المالكيين والحنفيين .

ومن طريق أحمد بن حنبل ، وابن أبي شيبة ، قالا جميعا : نا يزيد بن هارون عن الحجاج بن أرطاة عن الحصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب قال في جعل الآبق دينار ، أو اثنا عشر درهما - زاد أحمد في روايته : إذا كان خارجا من المصر - وهذا كله خلاف قول المالكيين والحنفيين .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق قال : أعطيت الجعل في زمن معاوية أربعين درهما - وهذا خلاف قول الحنفيين والمالكيين .

ثم ليس فيه : أن معاوية قضى بذلك ، ولا أنه قضى بذلك على أبي إسحاق ولا في أي شيء أعطاه ، وظاهره : أنه تطوع بذلك ، ولا يدرى في أي شيء ، فلا متعلق لهم بهذا أصلا - ولعله أعطاه في جعل شرطي وكله عليه زياد ظلما .

ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا أبو عامر العقدي عن سفيان الثوري عن ابن رباح عبد الله بن رباح عن أبي عمرو الشيباني قال : أتيت عبد الله بن مسعود بإباق ، أو بآبق فقال : الأجر والغنيمة قلت : هذا الأجر ، فما الغنيمة ؟ قال : من كل رأس أربعون درهما .

ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الله بن رباح عن أبي عمرو الشيباني : أن رجلا أصاب آبقا بعين التمر فجاء به فجعل فيه ابن مسعود أربعين درهما .

ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة نا شيخ عن أبي عمرو الشيباني أن ابن مسعود سئل عن جعل الآبق ؟ فقال : إذا كان خارجا من الكوفة فأربعين ، وإذا كان بالكوفة فعشرة - هذا كل ما روي فيه عن الصحابة رضي الله عنهم ، وكله مخالف لأبي حنيفة [ ص: 40 ] ومالك ، ولم يحد ابن مسعود ، ولا أحد قبله مسيرة ثلاث بأربعين درهما ، ثم كل ذلك لا يصح .

أما عن عمر فأحد الطريقين منقطع ، والأخرى ، والتي عن علي ، فكلاهما عن الحجاج بن أرطاة وهو ساقط - والتي عن ابن مسعود عن شيخ لا يدرى من هو - وعن عبد الله بن رباح القرشي وهو غير مشهور بالعدالة .

وأما التابعون - : فصح عن شريح ، وزياد : أن الآبق إن وجد في المصر فجعل واجده عشرة دراهم - وإن وجد خارج المصر فأربعون درهما . وروي هذا أيضا عن الشعبي - وبه يقول إسحاق بن راهويه

- وهذا خلاف قول أبي حنيفة ، ومالك .

وصح عن عمر بن عبد العزيز ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة نا الضحاك بن مخلد عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن عمر بن عبد العزيز قضى في جعل الآبق إذ أخذ على مسيرة ثلاث ثلاثة دنانير .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قضى عمر بن عبد العزيز في الآبق في يوم دينارا ، وفي يومين دينارين ، وفي ثلاثة أيام ثلاثة دنانير ، فما زاد على أربعة فليس له إلا أربعة - وهذا كله خلاف قول أبي حنيفة ، ومالك .

ومن طريق أحمد بن حنبل نا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي شيبة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : جعل الآبق قد كان يجعل فيه وهو الذي يعمل فيه أربعون درهما - فهذا عموم ، وخلاف قول أبي حنيفة ، ومالك - وقد جاء عن إبراهيم خلاف هذا ، ومثل قولنا .

وقال أحمد بن حنبل : إن وجد في المصر فلا شيء ، وإن وجد خارج المصر فأربعون درهما .

قال أبو محمد : فهم ثلاثة من الصحابة لم يصح عن أحد منهم ، وهم أيضا مختلفون ، وهم خمسة من التابعين مختلفون ، فلم يستح الحنفيون من دعوى الإجماع من الصحابة على جعل الآبق ، ولم يصح عن أحد منهم قط ولا جاء إلا عن ثلاثة فقط كما ذكرنا ، وقد خالفوهم مع ذلك ، ثم لم يكن عندهم إجماعا - إجماعهم بيقين على [ ص: 41 ] المساقاة " في خيبر إلى غير أجل ، وقد اتفقوا بلا شك ، على ذلك عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهم ، ولا بالوا بمخالفة أكثر من ضعف هذا العدد من الصحابة رضي الله عنهم : صح عنهم القصاص من اللطمة ، ومن ضربة بالسوط ، والمسح على الجوربين ، والعمامة ، وغير ذلك .

ثم قد روينا خلاف هذا كله عن بعض الصحابة والتابعين .

كما روينا من طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب في الإباق قال : المسلمون يرد بعضهم على بعض .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي قال : المسلم يرد على المسلم - : يعني في الآبق .

ومن طريق وكيع نا سفيان عن جابر عن الحكم بن عتيبة قال في الآبق : المسلم يرد على المسلم - وهو قول الشافعي ، والأوزاعي ، والليث ، والحسن بن حي ، وأبي سليمان - وأحد قولي أحمد بن حنبل كلهم يقول : لا جعل في الآبق .

وروينا من طريق وكيع نا مسعر - هو ابن كدام - عن عبد الكريم قال : قلت لعبد الله بن عتبة : أيجتعل في الآبق ؟ قال : نعم ، قلت : الحر قال : لا .

ومن طريق وكيع نا إسرائيل عن جابر عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : إن لم يعطه جعلا فليرسله في المكان الذي أخذه .

قال أبو محمد : قال الله تعالى : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال .

وقال الله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ففرض على كل مسلم حفظ مال أخيه إذا وجده ، ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفسه فلا شيء لمن أتى بآبق ; لأنه فعل فعلا هو فرض عليه ، كالصلاة ، والصيام - وبالله تعالى التوفيق .

ولو أعطاه بطيب نفسه لكان حسنا ، ولو أن الإمام يرتب لمن فعل ذلك عطاه لكان حسنا - وبالله تعالى التوفيق .

تم " كتاب الجعل " بحمد الله [ وعونه ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية