صفحة جزء
[ ص: 42 ] كتاب المزارعة والمغارسة

1328 - مسألة : الإكثار من الزرع والغرس حسن وأجر ، ما لم يشغل ذلك عن الجهاد - وسواء كان كل ذلك في أرض العرب ، أو الأرض التي أسلم أهلها عليها ، أو أرض الصلح ، أو أرض العنوة المقسومة على أهلها أو الموقوفة بطيب الأنفس لمصالح المسلمين - : روينا من طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طائر أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة } .

ورويناه أيضا من طريق الليث أنه سمع أبا الزبير أنه سمع جابرا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله - فعم عليه السلام ولم يخص .

وكره مالك الزرع في أرض العرب - وهذا خطأ ، وتفريق بلا دليل - واحتج لهذا بعض مقلديه بما رويناه من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف نا عبد الله بن سالم الحمصي نا محمد بن زياد الألهاني { عن أبي أمامة الباهلي : أنه رأى سكة وشيئا من آلة [ ص: 43 ] الحرث فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذل } .

قال أبو محمد : لم تزل الأنصار كلهم ، وكل من قسم له النبي صلى الله عليه وسلم أرضا من فتوح بني قريظة ، ومن أقطعه أرضا من المهاجرين يزرعون ويغرسون بحضرته صلى الله عليه وسلم وكذلك كل من أسلم من أهل البحرين ، وعمان ، واليمن ، والطائف ، فما حض عليه السلام قط على تركه .

وهذا الخبر عموم كما ترى لم يخص به غير أهل بلاد العرب من أهل بلاد العرب ، وكلامه عليه السلام لا يتناقض .

فصح أن الزرع المذموم الذي يدخل الله تعالى على أهله الذل هو ما تشوغل به عن الجهاد ، وهو غير الزرع الذي يؤجر صاحبه ، وكل ذلك حسنه ومذمومه سواء - كان في أرض العرب أو في أرض العجم - إذ السنن في ذلك على عمومها .

واحتجوا أيضا بما روينا من طريق أسد بن موسى عن محمد بن راشد عن مكحول : أن المسلمين زرعوا بالشام ، فبلغ عمر بن الخطاب ، فأمر بإحراقه وقد ابيض ، فأحرق ، وأن معاوية تولى حرقه .

ومن طريق أسد بن موسى عن شرحبيل بن عبد الرحمن المرادي : أن عمر بن الخطاب قال لقيس بن عبد يغوث المرادي : لا آذن لك بالزرع إلا أن تقر بالذل ، وأمحو اسمك من العطاء - وأن عمر كتب إلى أهل الشام من زرع واتبع أذناب البقر ورضي بذلك جعلت عليه الجزية .

قال أبو محمد : هذا مرسل ، وأسد ضعيف ، ويعيذ الله أمير المؤمنين من أن يحرق زروع المسلمين ويفسد أموالهم ، ومن أن يضرب الجزية على المسلمين ، والعجب ممن يحتج بهذا ، وهو أول مخالف له

التالي السابق


الخدمات العلمية