صفحة جزء
وقال في لقطة غير الحرم ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية : أن زيد بن الأخنس الخزاعي أخبره أنه قال لسعيد بن المسيب : وجدت لقطة أفأتصدق بها ؟ قال : لا تؤجر أنت ولا صاحبها ، قلت : أفأدفعها إلى الأمراء ؟ قال : إذا يأكلونها أكلا سريعا قلت : وكيف تأمرني ؟ قال : عرفها سنة ، فإن اعترفت وإلا فهي لك كمالك فهذا سعيد بن المسيب يقول : بإيجاب أخذ اللقطة ولا بد ، ويراها بعد الحول قد صارت من مال الملتقط ، إلا لقطة مكة . [ ص: 113 ] وقولنا في لقطة مكة هو قول عبد الرحمن بن مهدي ، وأبي عبيد ، نا بذلك أحمد بن محمد بن الجسور قال : نا محمد بن عيسى بن رفاعة نا علي بن عبد العزيز نا أبو عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي بذلك - وعن أبي عبيد من قوله .

وأما ما عدا لقطة الحرم ، والحاج ، فلما روينا من طريق أبي داود نا مسدد نا خالد - هو الحذاء - عن أبي العلاء - هو يزيد بن عبد الله بن الشخير - عن مطرف - هو ابن عبد الله بن الشخير - عن عياض بن حمار المجاشعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أخذ لقطة فليشهد ذا عدل ، أو ذوي عدل ، ولا يكتم ، ولا يغيب ، فإن وجد صاحبها فليردها عليه ، وإلا فهو مال الله عز وجل يؤتيه من شاء } .

ورويناه من طريق هشيم عن خالد الحذاء بإسناده فقال : { فليشهد ذوي عدل } .

قال أبو محمد : وزاد مسدد كما ذكرنا وليس شكا ، ولا يجوز أن يحمل شيء مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم على أنه شك إلا بيقين أنه شك ، وإلا فظاهره الإسناد .

ومن طريق حماد عن ربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { سئل عن اللقطة فقال : اعرف عفاصها وعدتها ووعاءها ، فإن جاء صاحبها فعرفها فادفعها إليه وإلا فهي لك } . ومن طريق مسلم حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح نا ابن وهب [ ص: 114 ] نا الضحاك بن عثمان عن أبي النضر - هو مولى عمر بن عبيد الله - عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني قال { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة ؟ فقال : عرفها سنة فإن لم تعترف فاعرف عفاصها ووكاءها ، ثم كملها فإن جاء صاحبها فأدها إليه } .

ومن طريق حماد بن سلمة نا سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة أن أبي بن كعب قال له : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اللقطة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اعرف عددها ، ووكاءها ، ووعاءها ، ثم استمتع بها ، فإن جاء صاحبها فعرف عددها ووكاءها ووعاءها فأعطها إياه وإلا فهي لك }

وأما الشيء الواحد الذي لا وكاء له ، ولا عفاص ، ولا وعاء فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر بتعريف السنة فيما له عدد ، وعفاص ، ووكاء ، أو بعض هذه - فأما ما لا عفاص له ، ولا وعاء ، ولا وكاء ، ولا عدد : فهو خارج من هذا الخبر ، وحكمه في حديث عياض بن حمار : فحكمه أن ينشد ذلك أبدا لقوله عليه السلام { لا يكتم ولا يغيب } ولقوله عليه السلام { هو مال الله يؤتيه من يشاء } فقد آتاه الله واجده روينا من طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن رافع نا حجين بن المثنى نا عبد العزيز - هو ابن أبي سلمة - الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن سلمة بن كهيل قال : كان سويد بن غفلة ، وزيد بن صوحان وثالث معهما في سفر فوجد أحدهم - هو سويد بلا شك - سوطا فأخذه ، فقال له صاحباه : ألقه فقال : أستمتع به فإن جاء صاحبه أديته إليه خير من أن تأكله السباع - فلقي أبي بن كعب فذكر ذلك له فقال : أصبت وأخطآ - ففي هذا أن أبي بن كعب رأى وجوب أخذ اللقطة .

قال أبو محمد : فيما ذكرنا اختلاف ، فمن ذلك أن قوما قالوا : لا تؤخذ اللقطة أصلا ، وقال آخرون : مباح أخذها وتركها مباح ، فأما من نهى عن أخذها فلما ذكرنا آنفا .

وكما روينا عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن جعفر بن ربيعة أن الوليد بن سعد حدثه قال : كنت مع ابن عمر فرأيت دينارا فذهبت لآخذه فضرب ابن عمر يدي وقال : ما لك وله اتركه . ومن طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس لا ترفع اللقطة لست منها في شيء ، تركها خير من أخذها . [ ص: 115 ] ومن طريق سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى سئل سعيد بن جبير عن الفاكهة توجد في الطريق ؟ قال : لا تؤكل إلا بإذن ربها . وعن الربيع بن خيثم أنه كره أخذ اللقطة . وعن شريح أنه مر بدرهم فتركه .

وقال أبو حنيفة ، ومالك : كلا الأمرين مباح ، والأفضل أخذها . وقال الشافعي مرة : أخذها أفضل - ومرة قال : الورع تركها .

قال أبو محمد : أما من أباح كلا الأمرين فما نعلم له حجة أصلا ، فإن حملوا أمره عليه السلام بأخذها على الندب ؟ قيل لهم : فاحملوا أمره بتعريفها على الندب ولا فرق .

فإن قالوا : أموال الناس محرمة ؟ قلنا : وإضاعتها محرمة ولا فرق . وأما من منع من أخذها ؟ فإنهم احتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فقلنا لهم : نعم ، وما أمرناه باستحلالها أصلا ، لكن أمرناه بالمفترض عليه من حفظها وترك إضاعتها المحرمة عليه ، ثم جعلناها له حيث جعلها له الذي حرم أموالنا علينا إلا بما أباحها لنا ، لا يجوز ترك شيء من أوامره صلى الله عليه وسلم فهو أولى بنا من أنفسنا ، وقد كفر من وجد في نفسه حرجا مما قضى .

واحتجوا أيضا بحديث المنذر بن جرير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يأوي الضالة إلا ضال } وبحديث أبي مسلم الجرمي - أو الحرمي - عن الجارود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ضالة المسلم حرق النار } . [ ص: 116 ] وهذان خبران لا يصحان ; لأن المنذر بن جرير ، وأبا مسلم الجرمي أو الحرمي - غير معروفين ، لكن { ضالة المسلم حرق النار } قد صح من طريق أخرى وهذا لفظ مجمل فسره سائر الآثار - وهو خبر رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضوال الإبل ؟ فقال عليه السلام : { ضالة المسلم حرق النار } وهم أول مخالف ، فأمروا بأخذ ضوال الإبل ، ثم لو صحا لما كان لهم فيهما حجة ; لأن إيواء الضالة بخلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم حرق النار ، وضلال بلا شك ، وما أمرناه قط بإيوائها مطلقا ، لكن بتعريفها وضمانها في الأبد ، وقد جاء بهذا حديث أحسن من حديثهم : كما روينا من طريق ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن أبي سالم الجيشاني عن زيد بن خالد الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه قال ] : { من أخذ لقطة فهو ضال ما لم يعرفها } .

التالي السابق


الخدمات العلمية