صفحة جزء
وقد روينا عن مالك : أن الإسراف هو النفقة في المعاصي - فظهر أن هذا الخبر هو قولنا ، وأنه مخالف لقولهم .

وأما الخبر الآخر { أيما رجل كان عنده يتيم فحال بينه وبين أن يتزوج فزنى فالإثم بينهما } .

فلو صح لكان أعظم حجة عليهم ، وأشد خلافا لقولهم ; لأنه ليس فيه إلا نهي الولي عن أن يحول بين اليتيم وبين التزويج بأشد الوعيد ، وهذا هو قولهم ; لأنهم [ ص: 157 ] يأمرون ولي اليتيم بأن يحول بينه وبين التزويج ويردون زواجه إن تزوج بغير إذن وليه حتى يكون وليه هو الذي يزوجه ممن أراد الولي ، لا ممن أراد المولى عليه .

فأي عجب أعجب من احتجاج قوم بما هو أعظم حجة عليهم . فبطل أن يكون لهم متعلق بشيء من القرآن ، أو بشيء من السنن ، أو برواية أصلا ولاح أن القرآن ، والسنن مخالفان لأقوالهم ههنا .

وأما الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم فكلها لا حجة لهم فيها ، بل هي عليهم - : أما الرواية عن عثمان من قوله لعلي : ألا تحجر على ابن أخيك وتأخذ على يده اشترى سبخة بستين ألفا ما أحب أنها لي بنعلي ؟ فلا شك في أن ابن جعفر لم يحجر عليه قط ، فإن كان الحجر واجبا فلم تركه عثمان ولم يحجر عليه ، حتى يخرج ذلك مخرج الرأي يراه ؟ فصح أنه لم ير الحجر واجبا ولو رآه علي ، أو عثمان واجبا ، لما حل لهما أن لا يمضياه - وهذا خبر ناقص رويناه بتمامه من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن عثمان قال لعلي : خذ على يد ابن أخيك اشترى سبخة آل فلان بستين ألفا ، ما أحب أنها لي بنعلي فأقل ، قال : فجزأها عبد الله بن جعفر ثمانية أجزاء ، وألقى فيها العمال فأقبلت الأرض ، فمر بها عثمان فقال : لمن هذه ؟ قالوا : لعبد الله بن جعفر فقال : يا ابن أخي ولني جزأين منها ؟ فقال عبد الله بن جعفر : لا والله حتى تأتيني بالذين سفهتني عندهم فيطلبون إلي ؟ ففعل ، فقال : والله لا أنقصك جزأين منها من مائة وعشرين ألفا ؟ قال عثمان : قد أخذتهما - .

فصح أن ذلك القول كان من عثمان رأي قد رجع عنه ; لأنه لم يحجر عليه أصلا ما بين إنكاره للشراء إلى أن أقبلت الأرض .

وأما الرواية الأخرى عن علي : أنه ذكر لعثمان أنه يحجر على عبد الله بن جعفر في بيع ابتاعه فقال له الزبير : أنا شريكه فيه ، فرواية ننكرها جدا ، ولا يخلو ذلك البيع من أن يكون يوجب الحجر على صاحبه أو لا يوجبه ، فإن كان يوجب الحجر ، فالحجر واجب على الزبير ، كما هو على عبد الله ، وإن كان لا يوجب الحجر على الزبير فما يوجبه على عبد الله ولا على غيره ، وقد أعاذ الله عثمان رضي الله عنه من أن يكون يترك حقا واجبا من [ ص: 158 ] أجل أن الزبير في الطريق ، وقد أعاذ الله الزبير رضي الله عنه من أن يحول بين الحق وبين إنفاذه ، وقد أعاذ الله عليا رضي الله عنه في أن يتكلم فيما لم يتبين له .

فإن قيل : إنما ترك عثمان الحجر على عبد الله من أجل الزبير ; لأنه علم أن الزبير لا يخدع في البيع فعلم بدخول الزبير فيه أنه بيع لا يحجر في مثله ؟ قلنا : فقد مشى علي في خطأ إذا أراد الحجر في بيع لا يجوز الحجر فيه ، وصح بهذا كله أنه رأي ممن رآه منهم ، وقد خالفهم عبد الله بن جعفر فلم ير الحجر على نفسه في ذلك ، وهو صاحب من الصحابة . فبطل تعلقهم بهذين الخبرين .

وأما الرواية عن ابن الزبير فطامة الأبد ، لا ندري كيف استحل مسلم أن يحتج بخطيئة ، ووهلة ، وزلة كانت من ابن الزبير والله تعالى يغفر له إذ أراد مثله في كونه من أصاغر الصحابة أن يحجر على مثل أم المؤمنين التي أثنى الله تعالى عليها أعظم الثناء في نص القرآن وهو لا يكاد يتجزأ منها في الفضل عند الله تعالى . وهذا خبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عوف بن الحارث ابن أخي عائشة أم المؤمنين لأمها أن عائشة أم المؤمنين حدثت " أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته : والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها ؟ فقالت عائشة : أو قال هذا ؟ قالوا : نعم ، فقالت عائشة : هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير كلمة أبدا - ثم ذكر الحديث بطوله وتشفعه إليها ، وبكاه لعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، والمسور بن مخرمة الزهريين حتى كلمته وأعتقت في نذرها أن لا تكلمه أربعين رقبة .

قال أبو محمد : قد بلغت به عائشة رضي الله عنها الإنكار حيث بلغته فلا يخلو الأمر من أن يكون ابن الزبير أخطأ وأصابت هي ، وهو كذلك بلا شك ، فلا يحتج بقول أخطأ فيه صاحبه - أو يكون ابن الزبير أصاب وأخطأت هي ، ومعاذ الله من هذا ، ومن أن تكون أم المؤمنين توصف بسفه وتستحق أن يحجر عليها - نعوذ بالله من هذا القول .

فصح أن ابن الزبير أخطأ في قوله ، وعلى كل حال فقد اختلفت الصحابة في ذلك ، وإذا اختلفوا فالواجب الرجوع إلى القرآن ، والسنة كما أمر الله تعالى ، وفي القرآن ، والسنة : إباحة البيع الذي لا خديعة فيه ولا غش ، والحض على الصدقة ، [ ص: 159 ] والعتق : فيما أبقى غنى والمنع مما عدا ذلك - فواجب إمضاء ذلك كله من كل من فعله ; لأن الكل مندوب إلى ذلك ، مباح له ذلك ، وواجب رد كل بيع فيه خديعة وغش ، وكل صدقة وعطية لم يبق بعدهما غنى من كل من فعله ; لأن الكل منهي عن ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

وأما الروايات عن ابن عباس فلا حجة لهم في شيء منها ; لأنه ليس فيها إلا أنه قد تنبت اللحية لمن هو ضعيف الأخذ والإعطاء ، وأنه إذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد انقضى يتمه - وهكذا نقول إذا عقل الرشد من الفتى فقد أخذ لنفسه بأصلح ما يأخذ الناس ، فإنما هم - كما أوردنا - سبعة : عثمان ، وعلي والزبير ، وابن الزبير ، وأم المؤمنين ، وعبد الله بن جعفر ، وابن عباس

وقد روينا أيضا في ذلك كلاما موافقا لقولنا نذكره في آخر الباب إن شاء الله عز وجل ، ثلاثة منهم روي عنهم الإشارة بالحجر ولا مزيد ، ولا بيان عنهم ، ولا عن أحد منهم : ما صفة ذلك الحجر ؟ فإن كان هو رد البيع الذي فيه الغبن فهكذا نقول - وهذا هو قولنا لا قول المخالفين ، وهم : عثمان ، وعلي ، وابن الزبير ، وعلى كل حال فليس ، فيه رد صدقة ، ولا عتق ، ولا نكاح ولا بيع ، لا غبن فيه - وثلاثة منهم جاء عنهم إنكار الحجر ، والقول به ، وهم : عائشة ، وابن جعفر ، والزبير .

وأما ابن عباس فليس عنه شيء يوافق المخالفين لنا ، بل إنما قال في الشيخ الذي ينكر عقله أنه يحجر عليه - وهذا قولنا نفسه فيمن تغير عقله ، فهم مختلفون كما أوردنا ، ولو اتفقوا فما في أحد حجة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكم قصة خالفوا فيها أكثر من هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لا مخالف لهم منهم ؟ وأقرب ذلك هذه المسألة نفسها ، فإنه لم يأت عن أحد من الصحابة قطعا ما ذكروه من إبطال العتق .

ورد الصدقة في المحجور - فبطل أن يكون لهم موافق من الصحابة في هذه المسألة - وقد خالفوا أكثر من هذا العدد في المسح على الجوربين ، ونحو ذلك .

وأما التابعون فقد اختلفوا كما ذكرنا ، فما الذي جعل قول عطاء ، والقاسم ، وربيعة ، وشريح : أولى من قول إبراهيم ، وابن سيرين ، وعمر بن عبد العزيز ؟ [ ص: 160 ] هذا وليس عن القاسم ، وشريح إبطال صدقة ، ولا عتق ، ولا بيع ، وإنما عنهما إمساك مال عنه فقط ، وإنما جاء إبطال البيع ، والعتق ، والنكاح عن ربيعة ، وعطاء فقط .

وقد جاء كما أوردنا عن سبعة من التابعين ، وواحد من الصحابة : أن السفهاء هم النساء ، وهم : الحسن ، والحكم ، ومعاوية بن قرة ، وأبو مالك ، والضحاك ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، فخالفوهم كلهم - فمن جعل قول اثنين من التابعين قد خالفهم ثلاثة منهم حجة ، ولم يجعل قول سبعة منهم حجة .

وأما الحسن ، والشعبي : فليس فيما روي عنهما شيء يخالف قولنا أصلا ; لأن الحسن قال : الرشد صلاح الدين ، وحفظ المال - وكذلك نقول ، وكل مسلم فله حظ من الصلاح ، ولا يستوعب صلاح الدين أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بد من نقص عنه ، ومن لم ينفق ماله في معصية فقد حفظه .

وقال الشعبي : إن الرجل ليشمط وما أونس منه رشد ، وصدق : قد يبلغ الشيخ وهو مجنون ، فبطل أن يكون لهم متعلق أصلا .

وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي الكندي : مهما أقلت السفهاء فيه من شيء فلا تقلهم في ثلاث : عتق ، وطلاق ، ونكاح .

قال أبو محمد : ونقول لهم : متى تحجرون على المرء ؟ أبأول مرة يغبن فيها في البيع أم بأن يغبن مرة بعد مرة ؟ فإن قالوا : بأول مرة ؟ قلنا : فما على الأرض أحد إلا وهو عندكم مستحق للحجر عليه ، إذ لا سبيل أن يوجد أحد يبيع ويشتري إلا وهو يغبن .

وإن قالوا بل للمرة بعد المرة ؟ قلنا : حدوا لنا العدد الذي من بلغه فسخ منعه من البيع ، وفسخ عتقه ونكاحه ، وردت صدقته - فهذه عظائم لا تستسهل مطارفة ، ولا مسامحة ، بل النار في طرفها - فإن حدوه كلفوا البرهان ، وكانوا قد زادوا تحكما بالباطل في دين الله تعالى ، وإن لم يحدوا في ذلك حدا كانوا قد أقروا بأنهم لا يدرون متى يلزمهم الحكم بما به يحكمون ولا متى لا يلزمهم ، وأنهم يحكمون بالجهالات والعمى . [ ص: 161 ]

وكذلك نسألهم : متى يحجرون عليه إذا غبن بما يزيد على ما يتغابن الناس به بمثله أم إذا غبن بالكثير ؟ فإن قالوا : بل بما يزيد على ما يتغابن الناس بمثله ؟ قلنا : ما على أديم الأرض أحد إلا وهو مستحق للحجر عندكم ، إذ ليس أحد إلا وقد يغبن بهذا القدر ممن يبيع ويشتري ، وإن قالوا : بل بأكثر من ذلك ؟ كلفوا أن يبينوا الحد الذي عنده تجب هذه العظائم من فسخ بيوعه ، وأن لا يعدى عليه فيما أكل من أموال الناس بالشراء ومنع الثمن ، وأن ترد صدقاته ، وعتقه ، ونكاحه ، ومتى لا تجب ؟ فإن حدوا زادوا شنعا وحكما بالباطل ، وإن لم يحدوا كانوا حاكمين بما لا يدرون ، وفي هذا ما فيه .

ويكفي من هذا أنهم لا يقدرون - إلى منتهى الأبد - على أن يأتوا برواية معروفة غير موضوعة في الوقت على أنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أبي بكر ، ولا عهد عمر . نعم ، ولا عهد عثمان ، ولا عهد علي رضي الله عنهم إنسان مسلم يفهم الدين يمنع بالحجر من صدقة ، وعتق ، ونكاح ، لا يضر شيء من ذلك بماله ، ولا من بيع لا غبن فيه - هذا ما لا يجدونه أبدا ، فأف لكل شريعة تفطن لها من بعدهم - وبالله تعالى التوفيق .

ومن طوام الدنيا وشنعها قولهم : إن المحجور عليه لا يكفر في ظهاره ، ولا في وطئه في رمضان ، ولا في قتله الخطأ ، ولا في أيمانه إلا بالصيام وإن كان صاحب أموال لا يحصيها إلا الله تعالى ، خلافا للقرآن ، والسنن ، وهم يلزمونه الزكاة ، والنفقات على الأقارب ، وعلى الزوجة ، فهل بين الأمرين فرق ؟ وقد جاء إيجاب العتق فيما ذكرنا في القرآن ، كما جاءت الزكاة سواء سواء فليت ، شعري من أين خرج هذا التقسيم الفاسد ؟ إن هذا لعجب .

قال أبو محمد : وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قولنا مما يبطل قولهم - : كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا يوسف بن حماد أنا عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس { أن رجلا كان في عقدته ضعف ، وأن أهله أتوا النبي فقالوا : يا [ ص: 162 ] نبي الله احجر عليه ؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه ؟ فقال : يا نبي الله إني لا أصبر على البيع فقال عليه السلام : إذا بعت فقل : لا خلابة } .

ومن طريق مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال { : ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل : لا خلابة } ؟ قال : فكان الرجل إذا بايع يقول : لا خلابة " .

ومن طريق قاسم بن أصبغ نا محمد بن وضاح نا حامد بن يحيى البلخي نا سفيان بن عيينة نا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال { إن منقذا سقع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه ، فكان يخدع في البيع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بع ، وقل : لا خلابة ، ثم أنت بالخيار ثلاثا من بيعك } ، قال ابن عمر : فسمعته يقول إذا بايع : لا خلابة لا خلابة " .

قال علي : هذان أثران في غاية الصحة وما يقول بعد سماعهما بالحجر على من يخدع في البيوع ، أو بإنفاذ بيع فيه خديعة إلا ذاهل عن الحق ، مقدم على العظائم ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إلى قولهم : احجر عليه ، ولا حجر عليه ، ولا منعه من البيع ، بل جعل له الخيار فيما اشترى ثلاثا ، وأمره أن لا يبايع إلا ببيان : أن لا خلابة ، وهكذا نقول - ولله الحمد .

ومن طريق البخاري : نا يحيى بن بكير نا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير : أن عائشة أم المؤمنين قالت في حديث طويل { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت فيه إتيانه إلى المدينة إذ هاجر من مكة ثم ركب - . تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - ناقته فسار حتى بركت عند مسجده عليه السلام بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين ، وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر [ ص: 163 ] أسعد بن زرارة ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومها بالمربد ليتخذه مسجدا ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ، ثم بناه مسجدا } .

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أنهما في حجر غيرهما يتيمان فلم يساومه ولا شاوره ، ولا ابتاعه منه ، بل ساومهما وأنفذ بيعهما فيه ، ولم يجعل للذي كانا في حجره في ذلك أمرا .

فإن قيل : لم يقبل هبتهما إياه ؟ قلنا : قد فعل مثل ذلك بأبي بكر قبل ذلك بأقل من شهر ، أو شهر ، { إذ أراد عليه السلام الهجرة فقدم إليه أبو بكر رضي الله عنه إحدى ناقتين له ، وقال له : هي لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبها إلا بالثمن فابتاعها منه } فرده عليه السلام هبة اليتيمين كرده هبة أبي بكر ولا فرق - ليس ; لأن ذلك ، لا يجوز منهم .

وبرهان هذا إجازته عليه السلام بيعهما ، ولا خلاف بين المخالفين لنا في أن من لم يحجر عليه بيعه لم يحجر عليه هبته في هذا المكان ، وإنما فرقوا بين الهبة والبيع في المريض ، والمرأة ذات الزوج ، في المحاباة فيما زاد على الثلث خاصة - وهذا أثر صحيح لا مغمز فيه ، وعقيل أحد المختصين بالزهري ، المتحققين به ، الملازمين له - وكذلك عروة بعائشة رضي الله عنها .

وقد روينا خبرا لو ظفروا بمثله لبغوا ، كما روينا من طريق أبي داود نا أحمد بن صالح نا يحيى بن محمد المديني نا عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه سمع شيوخه من بني عمرو بن عوف ومن خاله عبد الله بن أبي أحمد قال : قال علي بن أبي طالب : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يتم بعد احتلام } .

قال أبو محمد : وأقل ما في هذا الأثر أن يكون موقوفا على علي بن أبي طالب فهو خلاف لما تعلقوا به عنه في الحجر الذي لا بيان فيه أنه موافق لقولهم على كل حال . [ ص: 164 ] ونا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي نا مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام نا أبي عن ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم " أنه سمع عمر بن الخطاب يقول لصهيب : يا صهيب ما فيك شيء أعيبه عليك إلا ثلاث خصال ، ولولاهن ما قدمت عليك أحدا ، فقال له صهيب : ما هن فإنك طعان ؟ فقال عمر بعد كلام : أراك تبذر مالك ، وتكتنى باسم نبي ، وتنتسب عربيا ، ولسانك أعجمي ، فقال له صهيب : أما تبذيري مالي فما أنفقه إلا في حقه ، وأما اكتنائي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى ، أفأتركها لقولك ؟ وأما انتسابي إلى العرب فإن الروم سبتني وأنا صغير ، فإني لا أذكر أهل أبياتي ولو انفلقت عني روثة لانتسبت إليها - فهذا عمر يرى فعل صهيب تبذيرا ولم يحجر عليه ، وفي هذا كفاية - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية