صفحة جزء
1421 - مسألة : وكل بيع وقع بشرط خيار للبائع ، أو للمشتري ، أو لهما جميعا ، أو لغيرهما : خيار ساعة ، أو يوم ، أو ثلاثة أيام ، أو أكثر أو أقل : فهو باطل - تخيرا إنفاذه أو لم يتخيرا - فإن قبضه المشتري بإذن بائعه فهلك في يده بغير فعله فلا شيء عليه ، فإن قبضه بغير إذن صاحبه - لكن بحكم حاكم ، أو بغير حكم حاكم - : ضمنه ضمان الغصب . وكذلك إن أحدث فيه حدثا ضمنه ضمان التعدي .

وقال أبو حنيفة : بيع الخيار جائز لكل واحد منهما ، ولهما معا ، ولإنسان غيرهما ، فإن رد الذي له الخيار البيع فهو مردود ، وإن أمضاه فهو ماض ، إلا أنه لا يجيز مدة الخيار أكثر من ثلاثة أيام - لكن ثلاثة أيام فأقل - فإن اشترط الخيار أكثر من ثلاثة أيام بطل البيع ، فإن تبايعا بخيار ولم يذكرا مدة فهو إلى ثلاثة أيام .

وخالفه أبو يوسف ، ومحمد ، فقالا : الخيار جائز إلى ما تعاقداه طالت المدة أم قصرت - واتفقوا في كل ما عدا ذلك - والنقد جائز عندهم في بيع الخيار بتطوع [ ص: 261 ] المشتري لا بشرط أصلا - فإن تشارطا النقد فسد البيع ، فإن مات الذي له الخيار في مدة الخيار فقد لزمه البيع ، فإن تلف الشيء في مدة الخيار - : فإن كان الخيار للمشتري فقد لزمه البيع بذلك الثمن ، وإن كان الخيار للبائع فعلى المشتري قيمته لا ثمنه ، وللذي له الخيار منهما إنفاذ الرضا بغير محضر الآخر ، وليس له أن يرد البيع إلا بمحضر الآخر - وزكاة الفطر إن تم البيع بالرضا على المشتري ، وإن لم يتم البيع بالرد على البائع .

قال أبو محمد : وهذه وساوس ، وأحكام لا يعرف لها أصل ، وأقسام وأحكام لا تحفظ عن أحد قبله - وقال مالك : بيع الخيار جائز كما قال أبو حنيفة وأصحابه ، إلا أن مدة الخيار عنده تختلف : أما في الثوب فلا يجوز الخيار عنده إلا يومين فأقل ، فما زاد فلا خير فيه .

وأما الجارية فلا يجوز الخيار عنده فيها إلا جمعة فأقل ، فما زاد فلا خير فيه - : ينظر إلى خبرها ، وهيئتها ، وعملها .

وأما الدابة فيوم فأقل ، أو سير البريد فأقل .

وأما الدار فالشهر فأقل - وإنما الخيار عنده ليستشير ويختبر البيع وأما ما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه ; لأنه غرر .

ولا يجوز عنده النقد في بيع الخيار - لا بشرط ولا بغير شرط - فإن تشارطاه فسد البيع ، فإن مات الذي له الخيار فورثته يقومون مقامه .

فإن تلف المبيع في يد المشتري من غير فعله في مدة الخيار فهو من مصيبة البائع ولا ضمان على المشتري ، سواء كان الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما أو لغيرهما ، وللذي له الخيار الرد والرضا بغير محضر الآخر وبمحضره - وزكاة الفطر على البائع في كل ذلك .

قال : فإن انقضى أمد الخيار ولم يرد ولا رضي - : فله الرد بعد ذلك بيوم ، فإن لم يرد في هذا القدر لزمه البيع .

وهذه أقوال في الفساد كالتي قبلها ، ولا تحفظ عن أحد قبله ، وتحديدات في غاية الفساد ; لأن كل ما ذكرنا من الجارية ، والثوب ، والدار ، والدابة : قد يختبر ، ويستشار فيه في أقل من المدد التي ذكروا ، وفي أقل من نصفها - وقد يخفى من عيوب كل ذلك [ ص: 262 ] أشياء في أضعاف تلك المدد ، فكل ذلك شرع لم يأذن الله تعالى به ، ولا أوجبته سنة ، ولا رواية ضعيفة ، ولا قياس ولا قول متقدم ، ولا رأي له وجه .

وليت شعري ما قولهم إن كان الخيار لأجنبي فمات في أمد الخيار : أيقوم ورثته مقامه في ذلك أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، تناقضوا ، وجعلوا الخيار مرة يورث ، ومرة لا يورث وإن قالوا : نعم ؟ قلنا : فلعلهم صغار ، أو سفهاء ، أو غيب ، أو لا وارث له فيكون الخيار للإمام ، أو لمن شاء الله ، إن هذه لعجائب ؟ وقال الشافعي : يجوز الخيار لأحدهما ولهما معا ، ولا يجوز أكثر من ثلاثة أيام - واختلف قوله في التبايع على أن يكون الخيار لأجنبي ؟ فمرة أجازه ، ومرة أبطل البيع به ، إلا على معنى الوكالة .

والنقد جائز عنده في بيع الخيار ، فإن مات الذي له الخيار فورثته يقومون مقامه ، فإن تلف الشيء في يد المشتري في مدة الخيار ، فإن كان الخيار للبائع أو لهما معا : فعلى المشتري ضمان القيمة ، وإن كان الخيار للمشتري فقد لزمه البيع بالثمن الذي ذكرا - وللذي له الخيار عنده أن يرد وأن يرضى بغير محضر الآخر وبمحضره .

واحتج هو ، وأبو حنيفة : في أن الخيار لا يكون أكثر من ثلاث بخبر المصراة - وبخبر الذي كان يخدع في البيوع فجعل له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثا ، وأمره أن يقول إذا باع : لا خلابة .

واحتج الحنفيون في ذلك بما رويناه من طريق الحذافي محمد بن يوسف قال : أخبرني محمد بن عبد الرحيم بن شروس ، أخبرني حفص بن سليمان الكوفي ، أخبرني أبان عن أنس : { أن رجلا اشترى بعيرا واشترط الخيار أربعة أيام ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم البيع وقال : إنما الخيار ثلاثة أيام } قال الحذافي : وحدثنا عبد الرزاق نا رجل سمع أبانا يقول : عن الحسن { اشترى رجل وجعل الخيار أربعة أيام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البيع مردود وإنما الخيار ثلاثة أيام } .

قال أبو محمد : أما احتجاج أبي حنيفة ، والشافعي : بحديث منقذ ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثة أيام فيما اشترى ؟ فعجب عجيب جدا أن يكونا أول مخالف لهذا [ ص: 263 ] الحديث ، وقولهما بفساد بيعه جملة - إن كان يستحق الحجر ويخدع في البيوع - أو جواز بيعه جملة ، ولا يرده إلا من عيب - إن كان لا يستحق الحجر - فكيف يستحل ذو ورع أن يعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ثم يقوله ما لم يقل ذلك ؟ وليس في هذا الخبر بيع وقع بخيار من المتبايعين لأحدهما أو لهما - وفي هذا نوزعوا ، فوا أسفاه عليهم ؟ وأما احتجاج أبي حنيفة بحديث المصراة : فطامة من طوام الدهر ؟ وهو أول مخالف له ، وزار عليه وطاعن فيه ، مخالف كل ما فيه ، فمرة يجعله ذو التورع منهم : منسوخا بتحريم الربا ، وكذبوا في ذلك ما للربا ههنا مدخل ؟ ومرة يجعلونه كذبا ، ويعرضون بأبي هريرة - والله تعالى يجزيهم بذلك في الدنيا والآخرة - وهم أهل الكذب ، لا الفاضل البر أبو هريرة رضي الله عنه وعن جميع الصحابة ، وكب الطاعن على أحد منهم لوجهه ومنخريه .

ثم لا يستحيون من أن يحتجوا به فيما ليس فيه منه شيء ; لأنهم إنما يريدون نصر تصحيح بيع وقع بشرط خيار للبائع ، أو للمشتري ، أو لهما معا أو لغيرهما ، وليس من هذا كله في خبر المصراة أثر ، ولا نص ، ولا إشارة ، ولا معنى ، فأي عجب أكثر من هذا ؟ وأما حديثا : الحذافي المسند ، والمرسل - : فهما من طريق أبان بن يزيد الرقاشي - وهو هالك مطرح - والمسند من طريق حفص بن سليمان الكوفي - وهو هالك أيضا متروك - وأما المرسل فعن رجل لم يسم ، فهما فضيحة وشهوة ، لا يأخذ بهما في دينه إلا محروم التوفيق .

ولعمري لقد خالف المالكيون ههنا أصولهم فإنه لا مؤنة عليهم من الأخذ بمثلها في الدناءة والرذالة إذا وافق تقليدهم ، وقالوا أيضا : قد اتفقنا على جواز الخيار ثلاثا واختلفنا فيما زاد ؟ قال أبو محمد وهذا كذب ما وفقوا قط على ذلك : هذا مالك لا يجيز الخيار في الثوب إلا يومين فأقل ، ولا في الدابة إلا اليوم فأقل - : فبطل كل ما موهوا به - وبالله تعالى التوفيق .

ويعارضون بالخبر الذي فيه : { النهي عن تلقي الركبان ، فمن تلقى شيئا من ذلك فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق } ، هو خبر صحيح ، وفيه الخيار إلى دخول السوق - [ ص: 264 ] ولعله لا يدخله إلا بعد عام فأكثر - وسنذكره بإسناده بعد هذا إن شاء الله تعالى ، فظهر فساد أقوال هؤلاء جملة وأنها آراء أحدثوها متخاذلة لا أصل لها ولا سلف لهم فيها .

وقال ابن أبي ليلى : شرط الخيار في البيع جائز لهما ، أو لأحدهما ، أو لأجنبي ، ويجوز إلى أجل بعيد أو قريب .

وقال الليث : يجوز الخيار إلى ثلاثة أيام فأقل .

وقال الحسن بن حي : يجوز شرط الخيار في البيع ، ولو شرطاه أبدا فهو كذلك : لا أدري ما الثلاث إلا المشتري إن باع ما اشترى بخيار فقد رضيه ولزمه - وإن كانت جارية بكرا فوطئها فقد رضيها ولزمته .

وقال عبيد الله بن الحسن : لا يعجبني شرط الخيار الطويل في البيع إلا أن الخيار للمشتري ما رضي البائع .

وقال ابن شبرمة ، وسفيان الثوري : لا يجوز البيع إذا شرط فيه الخيار للبائع أو لهما - وقال سفيان : البيع فاسد بذلك ، فإن شرط الخيار للمشتري عشرة أيام أو أكثر جاز .

وروينا في ذلك عن المتقدمين آثارا كما روينا من طريق وكيع نا زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال : اشترى عمر فرسا واشترط حبسه إن رضيه وإلا فلا بيع بينهما بعد ، فحمل عمر عليه رجلا فعطب الفرس ، فجعلا بينهما شريحا ؟ فقال شريح لعمر : سلم ما ابتعت أو رد ما أخذت ؟ فقال عمر : قضيت بمر الحق .

وروينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن أبيه قال : اشترى نافع بن عبد الحارث من صفوان بن أمية بن خلف دارا للسجن بأربعة آلاف فإن رضي عمر فالبيع بيعه ، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم فأخذها عمر . وبه إلى سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقول : كنت أبتاع إن رضيت حتى ابتاع عبد الله بن مطيع نجيبة إن رضيها فقال : إن الرجل ليرضى ثم يدعي - : فكأنما أيقظني ، فكان يبتاع ويقول : ها إن أخذت .

التالي السابق


الخدمات العلمية