صفحة جزء
1443 - مسألة : ومن قال حين يبيع أو يبتاع : لا خلابة ؟ فله الخيار ثلاث ليال بما في خلالهن من الأيام ، إن شاء رد بعيب أو بغير عيب ، أو بخديعة أو بغير خديعة ، وبغبن أو بغير غبن ، وإن شاء أمسك - : فإذا انقضت الليالي الثلاث بطل خياره ولزمه البيع ، ولا رد له ، إلا من عيب إن وجد والليالي الثلاث مستأنفة من حين العقد ، فإن بايع قبل غروب الشمس - بقليل أو كثير ولو من حين طلوعها - : فإنه يستأنف الثلاث مبتدئة وله الخيار أيضا في يومه ذلك .

وإن بايع بعد غروب الشمس فله الخيار من حينئذ إلى مثل ذلك الوقت من الليلة الرابعة - :

حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن إسماعيل الترمذي نا الحميدي نا سفيان بن عيينة نا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال { : إن منقذا سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فخبلت لسانه ، فكان إذا بايع خدع في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بايع وقل : لا خلابة ثم أنت بالخيار } . [ ص: 315 ] نا أحمد بن قاسم أنا أبو قاسم بن محمد بن قاسم أنا جدي قاسم بن أصبغ أنا محمد بن وضاح [ ص: 316 ] نا حامد بن يحيى البلخي نا سفيان بن عيينة نا محمد بن إسحاق عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال { : إن منقذا سفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه فكان يخدع في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بع ، وقل : لا خلابة ، ثم أنت بالخيار ثلاثا من بيعك } .

قال ابن عمر : فسمعته يقول إذا بايع : لا خلابة لا خلابة . 1444 - .

مسألة : فإن لم يقدر على أن يقول " لا خلابة " قالها كما يقدر لآفة بلسانه أو لعجمة ، فإن عجز جملة قال بلغته ما يوافق معنى " لا خلابة " وله الخيار المذكور ، أحب البائع أم كره .

برهان ذلك - : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منقذا أن يقولها ، وقد علم أنه لا يقول إلا : لا خذابة } وقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .

1445 - مسألة : فإن رضي في الثلاث وأسقط خياره لزمه البيع ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار ثلاثا ، فلو كان لا يلزمه الرضا إن رضي في الثلاث لكان إنما جعل له عليه السلام الخيار في الرد فقط لا في الرضا - وهذا باطل ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل له الخيار فكان عموما لكل ما يختار من رضا أو رد .

ولو كان الخيار لا ينقطع بإسقاطه إياه وإقراره بالرضا لوجب أيضا ضرورة أن لا ينقطع خياره وإن رد البيع حتى ينقضي الثلاث وهذا محال - : فظاهر اللفظ ومعناه : أن له الخيار مدة الثلاث إن شاء رد فيبطل البيع ولا رضا له بعد الرد ، وإن شاء رضي فيصح البيع ولا رد له بعد الرضا - : لا يحتمل أمره عليه السلام غير هذا أصلا فإن لم يلفظ بالرضا ولا بالرد : لم يجز أن يجبر على شيء من ذلك ، وبقي على خياره إلى انقضاء الثلاث - إن شاء رد وإن شاء أمسك - فإن انقضت الثلاث ولم يرد فقد لزمه البيع ; لأنه [ ص: 317 ] بيع صحيح جعل له الخيار في رده ثلاثا ، لا أكثر - فإن لم يبطله فلا إبطال له بعد الثلاث ، إلا من عيب كسائر البيوع ، وبقي البيع بصحته لم يبطل - وبالله تعالى التوفيق . 1446 - .

مسألة : فإن قال لفظا غير " لا خلابة " لكن أن يقول : لا خديعة ، أو لا غش ، أو لا كيد ، أو لا غبن ، أو لا مكر ، أو لا عيب ، أو لا ضرر ، أو على السلامة ، أو لا داء ، ولا غائلة ، أو لا خبث ، أو نحو هذا - : لم يكن له الخيار المجعول لمن قال : لا خلابة ، لكن إن وجد شيئا مما بايع على أن لا يعقد بيعه عليه : بطل البيع ، وإن لم يجده لزمه البيع .

برهان ذلك - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر في الديانة بأمر ، ونص فيه بلفظ ما : لم يجز تعدي ذلك اللفظ إلى غيره - وسواء كان في معناه أو لم يكن - ما دام قادرا على ذلك اللفظ ، إلا بنص آخر يبين أن له ذلك ; لأنه عليه السلام قد حد في ذلك حدا فلا يحل تعديه ؟ قال الله تعالى : { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها } .

وقال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى }

وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }

ولو جاز غير هذا لجاز الأذان بأن يقول : العزيز أجل ، أنت لنا رب إلا الرحمن ، أنت ابن عبد الله بن عبد المطلب مبعوث من الرحمن ، هلموا [ إلى ] نحو الظهر ، هلموا نحو البقاء ، العزيز أعظم ، ليس لنا رب إلا الرحيم .

قال أبو محمد : من أذن هكذا فحقه أن يستتاب ؟ فإن تاب وإلا قتل ; لأنه مستهزئ بآيات الله عز وجل متعد لحدود الله .

ولا فرق بين ما ذكرناه وبين ما أمر به عليه السلام في ألفاظ الصلاة ، والأذان ، والإقامة ، والتلبية ، والنكاح ، والطلاق ، وسائر الشريعة ، وعلى المفرق الدليل ؟ وإلا فهو مبطل .

وأما من أجاز مخالفة الألفاظ المحدودة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة ، وأجاز تنكيسها ، وقراءة القرآن في الصلاة بالأعجمية - وهو فصيح بالقرآن - : فما عليه أن يقول بتنكيس الصلاة ؟ فيبدؤها بالتسليم ، ثم بالقعود ، والتشهد ، ثم بالسجود ، ثم [ ص: 318 ] بالركوع ، ثم بالقيام ، ثم بالتكبير ويقرأ في الجلوس ، ويتشهد في القيام ، وأن يصوم الليل في رمضان ، ويفطر النهار ، ويحيل الحج ، ويبدل ألفاظ القرآن بغيرها مما هو في معناها ، ويقدم ألفاظه ويؤخرها ما لم يفسد المعنى ، ويكتب المصحف كذلك ، ويقرأ في الصلاة كذلك ، ويقرئ الناس كذلك ، ويبدل الشرائع - ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ذلك ، ومن أن نتعدى شيئا مما حده لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا ، لا علم لنا إلا ما علمنا - ونحمد الله كثيرا على ذلك .

وقد وافقنا كثير من مخالفينا أن لفظ " البيع " لا ينوب عن لفظ " السلم " وهذا " منقذ " المأمور باللفظ المذكور لم ير أن يتعداه إلى غيره ، وإن كان في معناه - بل قاله كما أمر ، وكما قدر ، وكما كلف .

ونسأل المخالف لنا في هذا عن الفرق بين الألفاظ المأمور بها في الأحكام وبين الأوقات المأمور بها في الأحكام ، وبين المواضع المأمور بها في الأحكام ، وبين الأحوال والأعمال المأمور بها في الأحكام ، ولا سبيل له إلى فرق أصلا ، فإن سوى بين الجميع في الإيجاب وفق - وهو قولنا - وإن سوى بين الجميع في جواز التبديل - : كفر ، بلا خلاف ، وبدل الدين كله ، وخرج عنه .

وقد { علم النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب دعاء يقوله ، وفيه آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت فذهب البراء يستذكره فقال : وبرسولك الذي أرسلت ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم ونبيك الذي أرسلت } فلم يدعه أن يبدل لفظة مكان التي أمره بها ، والمعنى واحد .

ومن أعجب وأضل ممن يجيز تبديل لفظ أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول : إن قال الشاهد : أخبرك أو أعلمك بأني أعلم أن لهذا عند هذا دينارا : أنها ليست شهادة ، ولا يحكم بها حتى يقول : أشهد ، فاعجبوا لعكس هؤلاء القوم للحقائق ؟

وأما الألفاظ الأخر فهي ألفاظ معروفة المعاني بايع عليها فله ما بايع عليه إن وجده كذلك ; لأنه مما تراضيا عليه ، كما قال الله تعالى : { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }

فإن وجد غير ما تراضيا به في بيعه ، فلم يجد ما باع ولا ما ابتاع ، وليس له غير [ ص: 319 ] ذلك ، فلا يحل له من مال غيره ما لم يبايعه فيه عن تراض منهما ، وهذا بين - وبالله تعالى التوفيق . -

التالي السابق


الخدمات العلمية