صفحة جزء
1458 - مسألة : ولا يحل بيع عبد أو أمة على أن يعطيهما البائع كسوة - قلت أو كثرت - ولا بيع دابة على أن يعطيها البائع إكافها ، أو رسنها ، أو بردعتها ، والبيع بهذا الشرط باطل مفسوخ لا يحل فمن قضي عليه بذلك قسرا فهو ظلم لحقه والبيع جائز . [ ص: 343 ]

برهان ذلك : أنه شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل ، وقال تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } .

فسمى الله تعالى أخذ المرء مال غيره من غير تراض بالتجارة : باطلا ، وحرمه ، إذ نهى عنه ، وعلى لسان رسوله عليه السلام أيضا .

والكسوة مال البائع ولم يبعها برضا منه ، فلا يحل أخذها منه أصلا - وهذا قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان ، وأصحابهم .

وقال مالك يجبر على كسوة مثلها للشتاء إن بيعت في الشتاء ، وعلى كسوة مثلها في الصيف إن بيعت في الصيف - كسوة تجوز الصلاة في مثلها - فكانت هذه شريعة لم يأت بها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد ، ولا قول أحد نعلمه قبله - نعني بهذا التقسيم - . وقد روي عن ابن عمر : كل حلي وكسوة على الأمة عرضت فيها للبيع فهي داخلة في البيع - وهم لا يقولون بهذا .

فإن قالوا : كسوتها من مالها ؟ قلنا : تناقضتم ههنا في موضعين : أحدهما - أنها إن كانت من مالها فقد أجزتم اشتراط بعض مالها ، وهذا حرام عندكم ، والثاني - أن نقول لكم : كيف هي من مالها وأنتم تجبرون البائع على إحضارها - أحب أم كره - من حيث شاء ؟

ثم هبكم أن الكسوة من مال الأمة ، أترون البرذعة والرسن من مال الحمار والبغل ؟ إذ قلتم : لا يباع إلا ومعه برذعة ورسن ؟ ثم من أين لم تقولوا بهذا في السرج ، واللجام ؟ وهذه أعاجيب وشنع لا ندري من أين خرجت ؟

وهلا أوجبتم عليه نفقة شهر أو شهرين تصحبها إياها كما أوجبتم عليه كسوة عام أو نصف عام ؟ وما [ ندري ] الفرق بين الكسوة والنفقة ، بل النفقة أوكد ; لأنها لا تعيش دونها .

فإن قالوا : مشتريها ينفق عليها ؟ [ ص: 344 ]

قلنا : ومشتريها يكسوها أيضا ، كما يلزمه أن يكسو زوجته ، ولا يلزم أباها ولا أخاها الذي يزوجها كسوتها مذ تتزوج .

فإن قالوا : أيبيعها عريانة ؟ قلنا : أيبيعها جائعة - ولا فرق ؟

وقال بعضهم : الكسوة ركن من أركانها ؟ فقلنا : هذا كذب وحمق معا ، وما علمنا للإنسان أركانا تكون الكسوة بعضها .

فإن ادعوا عمل أهل المدينة ؟ قلنا : كذب من قال هذا ، ومن الباطل المتيقن أن تكون هذه الشريعة عند أهل المدينة ثم يكتمها عمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاوية ، والحسن ، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم حتى لا يدريها أحد إلا مالك ومن قلده - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية