صفحة جزء
1500 مسألة :

ومن باع من آخر دنانير بدراهم فلما تم البيع بينهما بالتفرق أو التخير اشترى منه ، أو من غيره بتلك الدراهم دنانير تلك ، أو غيرها أقل أو أكثر فكل ذلك حلال ما لم يكن عن شرط ; لأن كل ذلك عقد صحيح ، وعمل منصوص على جوازه ، وأما الشرط فحرام ; لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل .

ومنع من هذا قوم وقالوا : إنه باع منه دنانير بدنانير متفاضلة ؟ فقلنا : هذا كذب ، وما فعل قط شيئا من ذلك ، بل هما صفقتان ، ولكن أخبرونا : هل له أن يصارفه بعد شهر أو سنة بتلك الدراهم وتلك الدنانير عن غير شرط ؟ فمن قولهم : نعم ؟ فقلنا لهم : فأجزتم التفاضل والنسيئة معا ومنعتم من النقد ، هذا عجب لا نظير له وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا آنفا الأمر ببيع التمر الجمع بسلعة ثم يبتاع بالسلعة جنيبا من التمر وهذا هو الذي منعوا نفسه . [ ص: 465 ]

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن إبراهيم هو التستري أنا محمد بن سيرين قال : خطب عمر بن الخطاب فقال : ألا إن الدرهم بالدرهم والدينار بالدينار ، عينا بعين ، سواء بسواء ، مثلا بمثل ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : تزيف علينا أوراقنا فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب ؟ قال عمر : لا ، ولكن ابتع بها عرضا ، فإذا قبضته وكان لك فبعه واهضم ما شئت ، وخذ أي نقد شئت .

فهذا عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا مخالف له منهم يأمر ببيع الدراهم أو الدنانير بسلعة ، ثم يبيعها بما شاء من ذلك إثر ابتياعه للعرض ولم يقل من غير من تبتاع منه العرض .

روينا من طريق سعيد بن منصور أنا هشيم عن سليمان بن بشير قال : أعطاني الأسود بن يزيد دراهم وقال لي : اشتر لي بها دنانير ، ثم اشتر لي بالدنانير دراهم كذا وكذا ، قال : فبعتها من رجل فقبضت الدنانير ، وطلبت في السوق حتى عرفت السعر ، فرجعت إلى بيعتي فبعتها منه بالدراهم التي أردت ؟ فذكرت ذلك للأسود بن يزيد ، فلم ير به بأسا .

قال أبو محمد : وكرهه ابن سيرين وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال : إنما الربا على من أراد أن يربي وينسئ ورويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين عن عمر .

قال علي : ومن عجائب حججهم هنا أنهم قالوا : إنما أراد بالربا دراهم بأكثر منها ، فتخيل بأن صرفها بدنانير ، ثم صرف الدنانير بدراهم ؟ فقلت بارك الله فيه من ورع ، خائف لمقام ربه { ولمن خاف مقام ربه جنتان } أراد الربا فتركه وهرب عنه إلى الحلال ، هذا فاضل جدا وعمل جيد لا عدمناه ، فنراكم جعلتم المعروف منكرا ؟ وهل هذا إلا كمن أراد الزنى بامرأة فلم يفعل ، لكن تزوجها ، أو اشتراها إن كانت أمة فوطئها ، أما هذا فحسن مطيع لله تعالى

التالي السابق


الخدمات العلمية