صفحة جزء
1518 - مسألة :

ولا يحل بيعتان في بيعة ، مثل : أبيعك سلعتي بدينارين على أن تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهما .

أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير كل دينار بعدد من الدراهم ومثل : أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدا أو بثلاثة نسيئة .

ومثل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا على أن تبيعني سلعتك هذه بكذا وكذا .

فهذا كله حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب .

برهان ذلك : ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا يحيى بن معين نا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة } .

وروينا عن الشعبي ، ومحمد بن علي : أنهما كرها ذلك وما نعلم للمالكيين حجة إلا أنهم قالوا : البيعة الأولى لغو فهذا الاحتجاج أفسد من القول الذي احتجوا له به ، وأفقر إلى حجة ; لأنه دعوى مجردة ، على أنهم أتوا بعظائم طردا منهم لهذا الأصل الفاسد : فأجازوا بيع هذه السلعة بخنزير ، أو بقسط خمر ، على أن يأخذوا بالخنزير ، أو الخمر : دينارين وهذه عظيمة تملأ الفم ، ويكفي ذكرها عن تكلف الرد عليهم ، وما الديانة كلها إلا بأسمائها وأعمالها ، لا بأحد الأمرين دون الآخر . [ ص: 502 ]

ونحن نجد المستقرض يقول : أقرضني دينارين على أن أرد لك دينارين إلى شهر لكان قولا حسنا ، وعملا صحيحا ، فلو قال له يعني دينارين بدينارين إلى شهر لكان قولا خبيثا ، وعملا فاسدا ، حراما ، والعمل واحد والصفة واحدة وما فرق بينهما إلا اللفظ .

ولو قال امرؤ لآخر : أبحني وطء ابنتك بدينار ما شئت ؟ فقال له : نعم لكان قولا حراما : وزنا مجردا ، فلو قال له : زوجنيها بدينار ، لكان قولا صحيحا ، وعملا صحيحا ، والصفة واحدة ، والعمل واحد ، وإنما فرق بينهما الاسم .

وقولهم هذا جمع وجوها من البلاء ، وأنواعا من الحرام : منها : تعدي حدود الله تعالى ، وشرط ليس في كتاب الله تعالى ، وبيعتين في بيعة ، وبيع ما لا يحل وابتياعه معا ، وبيع غائب بناجز فيما يقع فيه الربا وبيع الغرر ونعوذ بالله من مثل هذا .

فإن قيل : تقولون فيما رويتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا } وقد أخذ بهذا شريح : كما حدثنا حمام نا عياش بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا عبد الأعلى نا حماد عن قتادة ، وأيوب السختياني ، ويونس بن عبيد ، وهشام بن حسان ، كلهم عن محمد بن سيرين ، قال : شرطين في بيع أبيعك إلى شهر بعشرة ، فإن حبسته شهرا فتأخذ عشرة ، قال شريح : أقل الثمنين ، وأبعد الأجلين أو الربا قال عبد الله : فسألت أبي ؟ فقال : هذا بيع فاسد .

قال أبو محمد : يريد فإن حبسته شهرا آخر فتأخذ عشرة أخرى .

قال أبو محمد : فنقول : هذا خبر صحيح إلا أنه موافق لمعهود الأصل ، وقد كان الربا ، وبيعتان في بيعة ، والشروط في البيع : كل ذلك مطلقا غير حرام إلى أن حرم كل ذلك ، فإذ حرم كل ما ذكرنا فقد نسخت الإباحة بلا شك ، فهذا خبر منسوخ بلا شك [ ص: 503 ] بالنهي عن بيعتين في بيعة بلا شك ، فوجب إبطالهما معا ; لأنهما عمل منهي عنه وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية