صفحة جزء
1558 - مسألة : وبيع المصاحف جائز ، وكذلك جميع كتب العلوم - عربيها وعجميها - لأن الذي يباع إنما هو الرق أو الكاغد أو القرطاس والمداد ، والأديم - إن كانت مجلدة - وحلية إن كانت عليها فقط .

وأما العلم فلا يباع ; لأنه ليس جسما - وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبي سليمان .

وروينا من طريق سعيد بن منصور أنا خالد بن عبد الله - هو الطحان - عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن شقيق قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف ، وتعليم الصبيان بالأرش - يعظمون ذلك .

ومن طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن سالم بن عجلان - هو الأفطس - عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عمر : وددت أني قد رأيت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف .

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا همام بن يحيى أنا قتادة عن زرارة بن أوفى الحرشي عن مطرف بن مالك قال : شهدت فتح تستر مع أبي موسى الأشعري فأصبنا دانيال بالسوس ومعه ربعة فيها كتاب ، ومعنا أجير نصراني فقال : تبيعوني هذه الربعة وما فيها ؟ قالوا : إن كان فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله لم نبعك ؟ قال : فإن الذي فيها كتاب الله - تعالى - ، فكرهوا بيعه ، قال : فبعناه الربعة بدرهمين ، ووهبنا له الكتاب ، قال قتادة : فمن ثم كره بيع المصاحف ; لأن الأشعري ، والصحابة كرهوا بيع ذلك الكتاب .

قال أبو محمد : إنما كرهوا البيع نفسه ليس من أجل أن المشتري كان نصرانيا ; ألا ترى أنهم قد وهبوه له بلا ثمن .

[ ص: 545 ] ومن طريق وكيع أنا سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى سألت عبد الله بن يزيد ، ومسروقا ، وشريحا ، عن بيع المصاحف ؟ فقالوا : لا نأخذ لكتاب الله ثمنا .

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان أن ابن جريج ذكر عن عطاء عن ابن عباس قال في المصاحف : اشترها ولا تبعها .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عبد الله بن إدريس الأودي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال في المصاحف : اشترها ولا تبعها .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية - عن ليث عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أنه كره شراء المصاحف وبيعها .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قلت لعلقمة : أبيع مصحفا ؟ قال : لا .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم قال : لحس الدبر أحب إلي من بيع المصاحف .

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول : لا يورث المصحف : هو لأهل البيت القراء منهم .

ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن زريع أنا خالد - هو الحذاء - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني ، قال : كان يكره بيع المصاحف وابتياعها .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا ابن علية عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني أنه كره بيع المصاحف وابتياعها ، ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا مهد بن ميمون سألت محمد بن سيرين عن كتاب المصاحف بالأجر ؟ فقال : كره كتابها واستكتابها وبيعها وشراءها .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن عكرمة بن عمار عن سالم هو بن عبد الله بن عمر - قال : بئس التجارة بيع المصاحف [ ص: 546 ]

ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة ، وشعبة ، قال سعيد : عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، وقال شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ، ثم اتفق ابن المسيب ، وابن جبير قالا جميعا : اشتر المصاحف ولا تبعها .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا المعتمر بن سليمان عن معمر عن قتادة قال : اشتر ولا تبع - يعني المصاحف .

ومن طريق ابن أبي شيبة أنا عفان أنا همام عن يحيى بن أبي كثير قال : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن بيع المصاحف ؟ قال : اشترها ولا تبعها - وهو قول الحكم بن عتيبة ، ومحمد بن علي بن الحسين .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال : سألت الزهري عن بيع المصاحف ؟ فكرهه .

ومن طريق وكيع أنا إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي قال : اشتر المصاحف ولا تبعها .

ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أنه كره بيع المصاحف فلم يزل به مطر الوراق حتى أرخص له ، فهؤلاء أبو موسى الأشعري ، وكل من معه من صاحب أو تابع أيام عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن زيد ، وجابر بن عبد الله ، وابن عمر : ستة من الصحابة بأسمائهم ، ثم جميع الصحابة بإطلاق لا مخالف لهم منهم .

ومن التابعين المسمين : مسروق ، وشريح ، ومطرف بن مالك ، وعلقمة ، وإبراهيم ، وعبيدة السلماني ، وابن سيرين ، وسالم بن عبد الله ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقتادة ، والزهري ، والشعبي ، والحسن ، كلهم ينهى عن بيع المصاحف - ولا يراه سوى من ذكر ذلك عنه من الجمهور ممن لم يسم وما نعلمه روى إباحة بيعها إلا عن الحسن ، والشعبي باختلاف عنهما ، وعن أبي العالية ، وأثرين موضوعين - : أحدهما : من طريق عبد الملك بن حبيب عن طلق بن السمح عن عبد الجبار بن عمرو الأيلي [ ص: 547 ] قال : كان ابن مصبح يكتب المصاحف في زمان عثمان ويبيعها ولا ينكر ذلك عليه .

والآخر أيضا : من طريق ابن حبيب عن الحارث بن أبي الزبير المدني عن أنس بن عياض عن بكير بن مسمار عن ابن عباس أنه كان يكره للرجل أن يبيعها - يتخذها متجرا - ولا يرى بأسا بما عملت يداه منها أن يبيعه .

ابن حبيب ساقط - وابن مصبح ، والحارث بن أبي الزبير ، وطلق بن السمح : لا يدري أحد من هم من خلق الله - تعالى - ، وعبد الجبار بن عمرو ساقط ولم يدرك عثمان ، وبكير بن مسمار ضعيف - ثم هما مخالفان لقولهم ; لأنه ليس في حديث ابن مصبح : أن عثمان عرف بذلك ، ولا أن أحدا من الصحابة عرف بذلك ، وفي حديث ابن عباس : أنه كره أن يتخذ بيعها متجرا .

فأين المالكيون ، والحنفيون ، والشافعيون المشنعون بخلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف ، والمشنعون بخلاف جمهور العلماء - وقد وافقوا ههنا كلا الأمرين .

ثم العجب كل العجب ، قولهم في قول عائشة الذي لم يصح عنها : أبلغني زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب في ابتياعه عبدا إلى العطاء بثمانمائة درهم وبيعه إياه من التي باعته منه بستمائة درهم نقدا ، وقد خالفها زيد بن أرقم .

فقالوا : مثل هذا لا يقال بالرأي ، فلم يبق إلا أنه توقيف ، ولم يقولوا ههنا فيما صح عن ابن عمر مما لم يصح عن أحد من الصحابة خلافه من إباحة قطع الأيدي في بيع المصاحف ، وعن الصحابة جملة .

فهلا قالوا : مثل هذا لا يقال بالرأي ، ولكن ههنا يلوح تناقضهم في كل ما تحكموا به في دين الله - تعالى - ونحمد الله على السلامة .

وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر القائلون به أم قلوا - كائنا من كان القائل ، لا نتكهن فنقول : مثل هذا لا يقال بالرأي ، فننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله ، وهذا هو الكذب عليه جهارا .

[ ص: 548 ] والحجة كلها - : قول الله - تعالى - : { وأحل الله البيع } وقوله - عز وجل - : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .

فبيع المصاحف كلها حلال ، إذ لم يفصل لنا تحريمه : { وما كان ربك نسيا } ولو فصل تحريمه لحفظه الله - تعالى - حتى تقوم به الحجة على عباده - وبالله - تعالى - التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية