صفحة جزء
1597 مسألة : ومن لم يعرض على شريكه الأخذ قبل البيع حتى باع فوجبت الشفعة بذلك للشريك ، فالشريك على شفعته علم بالبيع أو لم يعلم ، حضره أو لم يحضره ، أشهد عليه أو لم يشهد حتى يأخذ متى شاء ، ولو بعد ثمانين سنة أو أكثر ، أو يلفظ بالترك فيسقط حينئذ ، ولا يسقط حقه بعرض غير شريكه أو رسوله عليه .

واختلف الحاضرون في هذا فقال أبو حنيفة : متى علم بالبيع ، وعلم أن له [ ص: 15 ] الشفعة ، فإن طلب في الوقت أو أشهد على أنه آخذ بشفعته فله الشفعة أبدا ، وإن سكت بعد ذلك سنين فإن لم يشهد ، ولا طلب فقد بطل حقه .

وروي عن أبي حنيفة في الحاضر : أن له أجل ثلاثة أيام ، فإن طلب الشفعة فيها قضي له ، وإن مرت الثلاث ولم يطلب الشفعة بطل حقه ولا شفعة له .

وقال صاحبه محمد بن الحسن كذلك ، إلا أنه قال : لا ينتفع بالإشهاد على أنه طالب بالشفعة إلا بأن يكون إشهاده بذلك بحضرة المطلوب بالشفعة ، أو بحضرة الشقص المطلوب وقال أيضا : فإن سكت بعد الإشهاد المذكور شهرا واحدا لا يطلب بطلت شفعته .

وقال بعض كبار نظار مقلدي أبي حنيفة : للشفيع من أمد الخيار إن سكت ولم يشهد ولا طلب ما للمرأة المخيرة .

وبقول أبي حنيفة يقول البتي ، وابن شبرمة ، وعبيد الله بن الحسن ، والأوزاعي ، إلا أن عبيد الله قال : لا يمهل إلا ساعة واحدة .

وقال مالك ثلاثة أقوال : مرة قال : إن بلغه البيع أن له القيام بالشفعة فسكت ، ولم يطلب ولا أشهد ، فهو على حقه ، وله أن يطلب ما لم يطل الأمد جدا دون تحديد في ذلك .

ومرة قال : إن قام ما بينه وبين خمسة أعوام فله ذلك وإن لم يقم حتى مضت خمسة أعوام فقد بطل حقه .

وقال الشافعي : إن ترك الطلب ثلاثة أيام فأقل كان له أن يطلب ، فإن لم يطلب حتى مضت له ثلاثة أيام فقد بطل حقه وهو قول سفيان الثوري

ثم رجع الشافعي فقال : إن ترك الطلب دون عذر مانع ما قل أو كثر فقد بطل حقه ، وإن تركه لعذر فهو على حقه طال الأمد أو قصر وهو قول معمر

وروي عن شريح وصح عن الشعبي

وروي عن الشعبي أن له أجل يوم واحد .

وممن قال مثل قولنا ما روينا من طريق محمد بن المثنى أنا عبد الرحمن بن مهدي [ ص: 16 ] عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق الشيباني عن حميد الأزرق أن عمر بن عبد العزيز قضى بالشفعة بعد بضع عشرة سنة .

قال أبو محمد : أما أقوال مالك كما هي ، فهي في غاية الفساد لأنها إما تحديد بلا برهان ، وإما إجمال بلا تحديد ، فلا يدري أحد متى يسقط حقه ولا متى لا يسقط حقه ، وليس في الزمان طويل إلا بإضافة إلى ما هو أقصر منه ، فاليوم طويل لمن عذب فيه ، وبالإضافة إلى ساعة ومائة عام قليل بالإضافة إلى عمر الدنيا مع أنها أقوال لم تعهد عن أحد قبله ولا يعضدها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول سلف ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه .

وكذلك قول سفيان ، والأول من قولي الشافعي ، وقول الشعبي في تحديد يوم ، فهما قولان في غاية الفساد ; لأنهما تحديد بلا برهان ، وليس رد ذلك إلى ما جاء من الأخبار بخيار ثلاثة أيام أولى من أن يرد إلى خيار العدة إن شاء ارتجع وإن شاء أمضى الطلاق وهو ثلاثة أشهر ، وهذه كلها تخاليط .

وكذلك قول محمد بن الحسن وتحديده بشهر ، وبأن لا يكون الإشهاد إلا بحضرة المطلوب بالشفعة ، أو الشقص المبيع فهذا تخليط ناهيك به ، وتحكم في الدين بالباطل .

وأما قول من قال : " له من الأمد ما للمخيرة " فأسخف قول سمع به ; لأنه احتجاج للباطل بالباطل ، وللهوس بالهوس ، وما سمع بأحمق من أقوالهم في حكم المخيرة .

وأما قول أبي حنيفة ، والأوزاعي ، والبتي ، ومن وافقهم فإن تحديدهم في ذلك بالإشهاد ، ثم السكوت إن شاء قول بلا برهان له ، وما كان هكذا فهو باطل .

وقد علمنا أن حق الشريك واجب بعد البيع إذا لم يؤذنه البائع قبل البيع ، فأي حاجة به إلى الإشهاد ، أو من أين ألزموه إياه وأسقطوا حقه بتركه هذا خطأ فاحش ، وإسقاط لحق قد وجب بإيجاب الله تعالى له ، فما يقويه الإشهاد ولا يضعفه تركه فبطل قول أبي حنيفة ، ولم يبق إلا أحد قولي الشافعي ، والشعبي فنظرنا فيه فلم نجد لهم حجة أصلا إلا أن بعض المموهين نزع بقول مكذوب موضوع مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم { الشفعة كنشطة عقال والشفعة لمن واثبها } . [ ص: 17 ]

وهذا خبر رويناه من طريق البزار قال : أنا محمد بن المثنى أنا محمد بن الحارث أنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا شفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل العقال من مثل بمملوكه فهو حر وهو مولى الله ورسوله والناس على شروطهم ما وافقوا الحق . } [ ص: 18 ] قال أبو محمد : أفيكون أعجب من مخالفتهم كل ما في هذا الخبر واحتجاجهم ببعضه ، فبعضه حق وبعضه باطل ؟ أف لهذه الأديان .

وأما { الشفعة لمن واثبها } ، فما يحضرنا الآن ذكر إسنادها ، إلا أنه جملة لا خير فيه ، وابن البيلماني ضعيف مطرح ، ومتفق على تركه .

وأما لفظ { لمن واثبها } فهو لفظ فاسد ، لا يحل أن يضاف مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن قول القائل : الشفعة لمن واثبها : موجب أن يلزمه الطلب مع البيع لا بعده ; لأن المواثبة فعل من فاعلين ، فوجب أن يكون طلبه مع البيع لا بعده ; لأن التأني في الوثب لا يسمى مواثبة .

وأما قوله { الشفعة كنشطة عقال } فمعناه ظاهر ، ولا حجة لهم فيه ; لأن نشط العقال : هو حل العقال ، وكذلك الشفعة ; لأنها حل ملك عن المبيع وإيجابه لغيره فقط .

قال علي : وقد جعل الله تعالى حق الشفيع واجبا وجعله على لسان رسوله عليه السلام المصدق أحق ، إذا لم يؤذن قبل البيع ، فكل حق ثبت بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يسقط أبدا إلا بنص وارد بسقوطه ، فإن وقفه المشتري على أن يأخذ أو يترك لزمه أحد الأمرين ، ووجب على الحاكم إجباره على أحد الأمرين لأنه قد أعطي حقه فلا ينبغي له تضييعه ، فهو إضاعة للمال ، ولا بد له من أخذه ; أو أن يبيحه لغيره ، وإلا فهو غاش غير ناصح لأخيه المنصف له وبالله تعالى التوفيق .

وأما من منع حقه ولم يعطه ، فليس سقوطه عن طلبه قطعا لحقه ولو سكت عمره كله ولا يختلفون فيمن غصب مالا ، أو كان له دين أو ميراث ، أو حق ما ، فإن سقوطه عن طلبه لا يبطله ، وأنه على حقه أبدا فمن أين خصوا حق الشفعة من سائر الحقوق بهذه التخاليط ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية