صفحة جزء
161 - مسألة : فمن كان مستنكحا بشيء مما ذكرنا توضأ - ولا بد - لكل صلاة فرضا أو نافلة ، ثم لا شيء عليه فيما خرج منه من ذلك في الصلاة أو فيما بين وضوئه [ ص: 219 ] وصلاته ، ولا يجزيه الوضوء إلا في أقرب ما يمكن أن يكون وضوءه من صلاته ، ولا بد للمستنكح أيضا أن يغسل ما خرج منه من البول والغائط والمذي حسب طاقته ، مما لا حرج عليه فيه ، ويسقط عنه من ذلك ما فيه عليه الحرج منه .

برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قد ذكرناه في مسألة إبطال القياس من صدر كتابنا هذا ، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وقول الله تعالى { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقوله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } فصح أنه مأمور بالصلاة والوضوء من الحدث ، وهذا كله حدث ، فالواجب أن يأتي من ذلك ما يستطيع ، وما لا حرج عليه فيه ولا عسر ، وهو مستطيع على الصلاة وعلى الوضوء لها ، ولا حرج عليه في ذلك ، فعليه أن يأتي بهما ، وهو غير مستطيع للامتناع مما يخرج عنه من ذلك في الصلاة ، وفيما بين وضوئه وصلاته ، فسقط عنه ، وكذلك القول في غسل ما خرج منه من ذلك . قال أبو محمد : وهذا قول سفيان الثوري وأصحاب الظاهر .

وقال أبو حنيفة : يتوضأ هؤلاء لكل وقت صلاة ، ويبقون على وضوئهم إلى دخول وقت صلاة آخر فيتوضئون . وقال مالك : لا وضوء عليه من ذلك . وقال الشافعي : يتوضأ لكل صلاة فرض فيصلي بذلك الوضوء ما شاء من النوافل خاصة .

قال علي : إنما قالوا كل هذا قياسا على المستحاضة ، على حسب قول كل واحد منهم فيها ، والقياس باطل . ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ، لأن الثابت في المستحاضة هو غير ما قالوه لكن ما سنذكره إن شاء الله في باب المستحاضة ، وهو وجوب الغسل لكل صلاة فرض ، أو للجمع بين الظهر والعصر ثم بين المغرب والعتمة . ثم للصبح . ودخول وقت صلاة ما ليس حدثا بلا شك ، وإذا لم يكن حدثا فلا ينقض طهارة قد صحت بلا نص وارد في ذلك ، وإسقاط مالك الوضوء مما قد أوجبه الله تعالى منه ورسوله صلى الله عليه وسلم منه بالإجماع وبالنصوص الثابتة خطأ لا يحل . وقد شغب بعضهم في هذا بما روينا عن عمر رضي الله عنه وعن سعيد بن المسيب في المذي . قال عمر : إني لأجده ينحدر على فخذي على المنبر فما أباليه وقال سعيد مثل ذلك عن نفسه في الصلاة : فأوهموا أنهما رضي الله عنهما كانا مستنكحين بذلك . [ ص: 220 ] قال أبو محمد : وهذا كذب مجرد ، لا ندري كيف استحله من أطلق به لسانه ، لأنه لم يأت في شيء من هذا الأثر ولا من غيره نص ولا دليل بذلك ، ونعوذ بالله من الإقدام على مثل هذا ، وإنما الحق من ذلك أن عمر كان لا يرى الوضوء منه وكذلك ابن المسيب ، لأن السنة في ذلك لم تبلغ عمر ثم بلغته فرجع إلى إيجاب الوضوء منه .

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن أبي دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر العبدي ثنا مسعر بن كدام عن مصعب بن شيبة عن أبي حبيب بن يعلى بن منية عن { ابن عباس أنه وعمر بن الخطاب أتيا إلى أبي بن كعب فخرج إليهما أبي وقال : إني وجدت مذيا فغسلت ذكري وتوضأت ، فقال له عمر : أو يجزئ ذلك ؟ قال نعم . قال عمر : أسمعته من رسول الله ؟ قال نعم } .

حدثنا حمام ثنا ابن مفرح ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : إنه ليخرج من أحدنا مثل الجمانة فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل ذكره وليتوضأ ، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه قال في المذي : يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة ، فهذا هو الثابت عن عمر . وكذلك قول الشافعي أيضا خطأ ظاهر ; لأن من المحال الظاهر أن يكون إنسان متوضئا طاهرا لنافلة إن أراد أن يصليها غير متوضئ ولا طاهر لفريضة إن أراد أن يصليها ، فهذا قول لم يأت به قط نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا وجدوا له في الأصول نظيرا ، وهم يدعون أنهم أصحاب نظر وقياس ، وهذا مقدار نظرهم وقياسهم ، وبقي قول أبي حنيفة ومالك والشافعي عاريا من أن تكون له حجة من قرآن أو سنة صحيحة أو سقيمة أو من إجماع أو من قول صاحب أو من قياس أصلا 162 - مسألة : فهذه الوجوه تنقض الوضوء عمدا كان أو نسيانا أو بغلبة ، وهذا إجماع إلا ما ذكرنا مما فيه الخلاف ، وقام البرهان من ذلك على ما ذكرنا . وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية