صفحة جزء
1629 - مسألة : ولا تجوز هبة يشترط فيها الثواب أصلا ، وهي فاسدة مردودة ; لأن هذا الشرط ليس في كتاب الله عز وجل ، فهو باطل ، بل في القرآن المنع منه بعينه قال الله عز وجل : { ولا تمنن تستكثر } وهو قول جمهور من السلف .

روينا من طريق محمد بن الجهم نا يحيى الجباني نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن ابن عباس في قول الله تعالى : { وما آتيتم من ربا } قال : هو هدية الرجل ، أو هبة الرجل يريد أن يثاب أفضل منه ، فذلك الذي لا يربو عند الله ، ولا يؤجر عليه صاحبه ، ولا إثم عليه .

قال علي : هذا إذا أراده بقلبه وأما إذا اشترطه فعين الباطل والإثم .

ومن طريق ابن الجهم نا محمد بن سعيد العوفي نا أبي سعيد بن محمد بن الحسن حدثني عمي الحسين بن الحسن بن عطية حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس نحوه .

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } قال : لا تعط شيئا لتثاب أفضل منه ، قال معمر : وقاله طاوس أيضا - وقال الحسن : لا تمنن عطيتك ، ولا عملك ، ولا تستكثر .

وبه إلى إسماعيل نا نصر بن علي الجهضمي أخبرني أبي عن هارون عن أبي رجاء عن عكرمة { ولا تمنن تستكثر } قال : لا تعط مالا مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب من الدنيا . [ ص: 60 ] ومن طريق عبد بن حميد نا محمد بن الفضل هو عارم - عن يزيد بن زريع عن أبي رجاء سمعت عكرمة في قول الله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } قال : لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه .

ومن طريق عبد بن حميد نا هاشم بن القاسم عن أبي معاوية عن منصور بن المعتمر عن مجاهد ، وإبراهيم النخعي ، قالا جميعا : لا تعط شيئا لتصيب أفضل منه .

ومن طريق ابن الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي عن علي بن هاشم نا الزبرقان عن أبي رزين { وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله } قال : ما أعطيت من شيء تريد به عرض الدنيا ، أو تثاب عليه لم يصعد إلى الله عز وجل : { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } قال : ما أعطيت من هدية لوجه الله تعالى فهو الذي يصعد .

ومن طريق ابن الجهم نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور بن صفية عن سعيد بن جبير : { وما آتيتم من ربا ليربو } قال : يعطي العطية ليثيبه عليها .

وبه إلى ابن الجهم نا أبو بكر النرسي نا عبيد الله بن موسى نا إسرائيل عن السدي عن أبي مالك قال : لا تعط الأغنياء لتصيب أفضل منه .

وبه إلى ابن الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا العلاء بن عبد الجبار نا نافع عن القاسم بن أبي بزة قال : لا تعط شيئا تطلب أكثر منه .

وبإبطال هبة الثواب يقول الشافعي ، وأبو ثور ، وأبو سليمان ، وأصحابهم .

وأجازها أبو حنيفة ، ومالك ، وما نعلم لهما حجة إلا أنهما رويا عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي الدرداء ، وفضالة بن عبيد رضي الله عنه إجازتها

وعن عمر بن عبد العزيز ، وعطاء ، وربيعة ، وشريح ، والقاسم بن محمد وأبي الزناد ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وجماعة من التابعين - واحتجوا بما روي { المسلمون عند شروطهم } . [ ص: 61 ] قال أبو محمد : أما مالك : فإنه مخالف لما ذكرنا ; لأنهم لا يجيزون الرجوع في الهبة ، وهؤلاء يجيزون ذلك .

وأما أبو حنيفة فمخالف لهم على ما نذكر في الرجوع في الهبة إن شاء الله تعالى .

وأما نحن فلا حجة عندنا إلا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ، وقد خالف هؤلاء ابن عباس كما ذكرنا .

وأما { المسلمون عند شروطهم } فقد تقدم إبطالنا لهذا الاحتجاج الفاسد بوجوه ثلاثة كل واحد منها كاف - : أولها - أنه كلام لم يصح قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رواه من فيه خير ; لأنها إنما هي من رواية كثير بن زيد - وهو ساقط مطرح - أو مرسل . والثاني -

أنهم لا يخالفوننا في أن من شرط لآخر أن يغني له ، أو أن يزفن له ، أو أن يخرج معه إلى البستان ، أو أن يصبغ قميص نفسه أحمر : أن كل ذلك لا يلزمه .

وقد أبطلوا كثيرا من العقود بكثير من الشروط ، فأبطلوا احتجاجهم " { المسلمون عند شروطهم } فصح أن المسلمين ليسوا عند شروطهم على الجملة .

فإذ لا شك في ذلك ولا خلاف ، فقد أفصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن { كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل } ، فصح أن المسلمين ليس لهم أن يشترطوا شرطا ليس في كتاب الله عز وجل . والثالث -

أن هذا اللفظ لو صح لكان لا يجوز أن يضاف إلى المسلمين من الشروط فيقال : شروط المسلمين والمسلمون عند شروطهم إلا في الشروط الجائزة ، لا في الشروط المنهي عنها .

وقد صح نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كل شرط ليس في كتاب الله وإبطاله إياه إذا وقع - فصح أن شروط المسلمين إنما هي الشروط المنصوصة في كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المفترض اتباعها في كتاب الله تعالى .

ولا يجوز أن يعلم أحد جواز شرط إلا بورود النص بجوازه ، وإلا فالنص قد ورد [ ص: 62 ] بإبطال كل شرط ليس في كتاب الله تعالى - فوضح الأمر في بطلان هبة الثواب - وبالله تعالى التوفيق .

وقال من أجازها : هي بيع من البيوع .

قال أبو محمد : وهذا باطل ; لأن البيع لا يجوز بغير ثمن مذكور ، ولا بثمن مجهول ، وهبة الثواب لم يذكر ثوابها ، ولا عرف ، فهي إن كانت بيعا فهي بيع فاسد حرام خبيث ، وإن لم تكن بيعا فقد بطل حكمهم لها بحكم البيع - وبالله تعالى نتأيد .

ولهم هاهنا تخاليط شنيعة - : منها : أن أبا حنيفة قال : كل هبة وقعت على اشتراط عوض معلوم فهي وعوضها في حكم الهبة ما لم يتقابضا الهبة وعوضها .

ولا تجوز في مشاع فإذا تقابضا ذلك حلا محل المتبايعين ولكل واحد منهما الرد بالعيب ، ولا رجوع لهما بعد التقابض - فهلا سمع بأفسد من هذا القول أن تكون هبة تنقلب بيعا هكذا مطارفة بشرع أبي حنيفة الذي لم يأذن به الله تعالى ؟ وأجازوا هذه الهبة وهذا الشرط .

ثم قالوا : من وهب لآخر هبة على أن يرد عليه ثلثها أو ربعها أو بعضها أو على أن يعوضه ثلثها أو ربعها أو بعضها - أو وهب له جارية على أن يردها عليه ، أو على أن يتخذها أم ولد ، أو على أن يعتقهما ، فقبضها فالهبة في كل ذلك جائزة والشرط باطل .

فمرة جاز الشرط والهبة ، ومرة جازت الهبة وبطل الشرط - فهل في التحكم أكثر من هذا ؟ وقال مالك : الهبة على ثلاثة أوجه - : أحدهما - هبة لذي رحم على الصلة ، وهبة الوالدين للولد ، وهبة للثواب .

فهبة الثواب يرجع فيها على ما نذكر بعد هذا - إن شاء الله تعالى - وهذا تقسيم لا دليل بصحته وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية