صفحة جزء
1663 - مسألة : ولا يجوز عتق بشرط أصلا ، ولا بإعطاء مال إلا في " الكتابة " فقط ، ولا بشرط خدمة ، ولا بغير ذلك ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل } " .

فإن ذكر ذاكر ما روينا من طريق حماد بن سلمة نا سعيد بن جمهان نا سفينة أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " قالت لي أم سلمة : أريد أن أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عشت قلت : إن لم تشترطي علي لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أموت ، قال : فأعتقتني واشترطت علي أن أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عاش " .

ورويناه أيضا من طريق عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان عن سفينة ، فسعيد بن جمهان غير مشهور بالعدالة ، بل مذكور أنه لا يقوم حديثه - ثم لو صح [ ص: 165 ] فليس فيه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرف ذلك فأقره ، والحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : لا يجيزون العتق بشرط أن يخدم فلانا ما عاش - فقد خالفوا هذا الخبر .

روينا من طريق ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن أبي بكر عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : أعتق عمر بن الخطاب كل من صلى سجدتين من رقيق الإمارة ، واشترط على بعضهم خدمة من بعده إن أحب سنتين أو ثلاثا .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أيوب بن موسى أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر قال : إن عمر بن الخطاب أعتق كل من صلى من سبي العرب ، فبت عتقهم ، وشرط عليهم : أنكم تخدمون الخليفة بعدي ثلاث سنوات ، وشرط لهم : أنه يصحبكم بمثل ما كنت أصحبكم به - فابتاع الخيار خدمته تلك الثلاث سنوات من عثمان بأبي فروة وخلى سبيل الخيار ، وقبض أبا فروة .

وبه إلى ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه أعتق غلاما له وشرط عليه أن له عمله سنتين ، فعمل له بعض سنة ، ثم قال له : قد تركت لك الذي اشترطت عليك فأنت حر ، وليس عليك عمل .

ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : كان علي بن أبي طالب تصدق بعد موته بأرض له ، وأعتق بعض رقيقه ، وشرط عليهم أن يعملوا فيها خمس سنين .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا عباد عن حجاج عن القاسم بن عبد الرحمن عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه أن رجلا أتى ابن مسعود فقال : إني أعتقت أمتي هذه واشترطت عليها أن تلي مني ما تلي الأمة من سيدها إلا الفرج ، فلما غلظت رقبتها قالت : إني حرة فقال ابن مسعود : ليس ذلك لها ، خذ برقبتها فانطلق بها فلك ما اشترطت عليها .

قال أبو محمد : الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : مخالفون لجميع هذه الآثار ; لأن في جميعها العتق بشرط الخدمة بعد العتق ، وإلى غير أجل - وهم لا يجيزون هذا ; ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف ، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق [ ص: 166 ] رأيهم ، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وروينا عن سعيد بن المسيب : من أعتق عبده واشترط خدمته عتق وبطل شرطه - : رويناه من طريق ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب .

ومن طريق ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد التيمي عن أبيه عن شريح مثله .

وأجازوا العتق على إعطاء مال ، ولا يحفظ هذا فيما نعلمه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم في غير الكتابة .

فإن قالوا : قسنا ذلك على الكتابة .

قلنا : ناقضتم ، لأنكم لا تجيزون في الكتابة الضمان ولا الأداء بعد العتق ، وتجيزون كل ذلك في العتق على مال .

ولا تجيزون في الكتابة أن يكون أمد أداء المال مجهولا ، وتجيزون ذلك في العتق على مال - فقد أبطلتم قياسكم ، فكيف والقياس كله باطل ؟ .

ثم لهم في هذا غرائب - : فأما أبو حنيفة فإنه قال : من قال لعبده : أنت حر على أن تخدمني أربع سنين ، فقبل العبد ذلك فعتق ثم مات من ساعته .

فمرة قال : في ماله قيمة خدمته أربع سنين - وهو قول الشافعي - ثم رجع فقال : في ماله قيمة رقبته .

قال : ومن قال لعبده : أنت حر على ألف درهم ، أو على أن عليك ألف درهم ، فالخيار للعبد في قبول ذلك أو رده ، فإن قبل ذلك في المجلس فهو حر ، والمال دين عليه ، وإن لم يقبل فلا عتق له ولا مال عليه .

قال : فإن قال له : إذا أديت إلي ألف درهم فأنت حر ، فله بيعه ما لم يؤدها ، فإذا أداها فهو حر .

وقال مالك : من قال لعبده : أنت حر على أن عليك ألف درهم : لم يلزم العبد أداؤها ولا حرية له إلا بأدائها ، فإذا أداها فهو حر .

قال : فلو قال : إن جئتني بألف درهم فأنت حر ، ومتى ما جئتني بألف درهم فأنت [ ص: 167 ] حر - : فليس له أن يبيعه حتى يتلوم له السلطان ولا ينجم عليه ، فإن عجز عجزه السلطان وكان لسيده بيعه .

قال : فلو قال لعبده : أنت حر الساعة وعليك ألف درهم : فهو حر والمال عليه - قال ابن القاسم صاحبه : هو حر ولا شيء عليه .

قال أبو محمد : وهذا هو الصحيح ; لأنه لم يعلق الحرية بالغرم ، بل أمضاها بتلة بغير شرط ، ثم ألزمه ما لا يلزمه ، فهو باطل .

ولكن ليت شعري كم يتلوم له السلطان ، أساعة أم ساعتين أم يوما أم يومين أم جمعة أم جمعتين أم حولا أم حولين ؟ وكل حد في هذا فهو باطل بيقين ; لأنه دعوى بلا برهان - والقول في هذا : أنه إن أخرج كلامه مخرج العتق بالصفة فهو لازم ; لأنه ملكه فمتى ما جاءه بما قال فهو حر له ذلك ما بقي عنده ، وللسيد بيعه قبل أن يستحق العتق ; لأنه عبده - وهذه أقوال لا تحفظ عمن قبلهم ، وجعل خيارا للعبد حيث لا دليل على أن له الخيار - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية