صفحة جزء
1671 - مسألة : ولا يجوز عتق من لا يبلغ ولا عتق من لا يعقل من سكران أو مجنون ، ولا عتق مكره ، ولا من لم ينو العتق ، لكن أخطأ لسانه ، إلا أن هذا وحده إن قامت عليه بينة ولم يكن له إلا الدعوى قضي عليه بالعتق ، وأما بينه وبين الله تعالى فلا يلزمه ، لقول الله تعالى : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } فصح أن السكران لا يعلم ما يقول ، ومن لا يعلم ما يقول لم يلزمه ما يقول ، حتى لو كفر بكلام لا يدري ما هو لم يلزمه .

ولقوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء }

ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } والمجنون والسكران والمكره لا نية لهم ، وكذلك من أخطأ لسانه ، وليس من هؤلاء أحد أخلص لله الدين بما نطق به من العتق ، فهو باطل .

[ ص: 195 ] وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ } .

وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } .

وقال أبو حنيفة ، ومالك : عتق السكران جائز - ولا حجة لهم أصلا ، إلا أنهم قالوا : هو أدخل على نفسه ذلك بالمعصية ؟ فقلنا : نعم ، فكان ماذا ؟ ومن أين وجب إذا أدخل على نفسه ذلك بالمعصية أن يلزمه ما لم يلزمه الله تعالى قط ؟ وما تقولون فيمن حارب قاطعا للطريق فأصابته ضربة في رأسه خبلت عقله ، أتجيزون عتاقه ؟ وهم لا يفعلون هذا ، وهو أدخله على نفسه .

وعمن تزنك عاصيا لله تعالى فقطع لحم ساقيه وكوى ذراعيه عبثا أتجيزون له الصلاة جالسا أم لا ؟ لأنه أدخل على نفسه ذلك بالمعصية

وعمن سافر في قطع الطريق فلم يجد ماء وخاف ذهاب الوقت أيتيمم أم لا ؟ وكل هذا ينقضون فيه هذا الأصل الفاسد .

وقال أبو حنيفة : عتق المكره جائز .

وقال مالك ، والشافعي : لا يلزمه - وما نعلم للحنفيين حجة أصلا ، إلا آثارا فاسدة في الطلاق خاصة وليس العتاق من الطلاق والقياس باطل .

واحتج بعضهم { بثلاث جدهن جد وهزلهن جد } فذكر بعضهم في ذلك العتاق - وهو خبر مكذوب .

ثم لو صح لم تكن لهم فيه حجة أصلا ; لأننا لسنا معهم فيمن هزل فأعتق ، إنما نحن معهم فيمن أكره فأعتق ، وليس في هذا الخبر - على نحسه ووضعه - ذكر إكراه - ثم لا يجيزون بيع المكره ، ولا إقراره ، ولا هبته - : وهذا تناقض ظاهر ، وتمامها في التي بعدها .

وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية