صفحة جزء
1716 - مسألة : فإن كان الميت ترك زوجة وأبوين ، أو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين : فللزوج النصف ، وللزوجة الربع ، وللأم الثلث من رأس المال كاملا - وللأب من ابنته السدس ، ومن ابنه الثلث ، وربع الثلث . [ ص: 274 ] وقالت طائفة : ليس للأم في كلتيهما إلا ثلث ما بقي بعد ميراث الزوج ، والزوجة - وهذا قول رويناه صحيحا عن عمر بن الخطاب ، وعثمان ، وابن مسعود في الزوجة والأبوين ، والزوج والأبوين - وصح عن زيد ، ورويناه عن علي ولم يصح عنه - وهو قول الحارث الأعور ، والحسن ، وسفيان الثوري ، ومالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم - وهو قول إبراهيم النخعي .

وها هنا قول آخر رويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا أيوب السختياني : أن محمد بن سيرين قال في رجل ترك امرأته وأبويه : للمرأة الربع ، وللأم ثلث جميع المال ، وما بقي فللأب وقال في امرأة تركت زوجها وأبويها : للزوج النصف ، وللأم ثلث ما بقي ، وللأب ما بقي

- قال : إذا فضل الأب الأم بشيء فإن للأم الثلث .

وأما القول الذي قلنا به : فرويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني عن عكرمة وعن ابن عباس : أنه قال في زوج وأبوين : للزوج النصف ، وللأم الثلث من جميع المال .

ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال : قال علي بن أبي طالب : للأم ثلث جميع المال . في امرأة وأبوين ، وزوج وأبوين - وروي أيضا عن معاذ بن جبل - وهو قول شريح - وبه يقول أبو سليمان .

قال أبو محمد : احتج أهل القول بأن للأم ثلث ما بقي بما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبيه عن المسيب بن رافع قال قال ابن مسعود : ما كان الله ليراني أفضل أما على أب .

وبما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن فضيل بن عمرو العقيمي عن إبراهيم النخعي قال : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج ، وأبوين .

وقالوا : معنى قول الله عز وجل : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } أي مما يرثه أبواه . ما نعلم لهم حجة غير هذا ، وكل هذا لا حجة لهم فيه . أما قول ابن مسعود ، فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكرة في تفضيل [ ص: 275 ] الأم على الأب : فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا سأله فقال : { يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي ؟ فقال له رسول الله : أمك ، قال : ثم من يا رسول الله ؟ قال : أمك ، قال ثم من يا رسول الله ؟ قال : أمك ، قال : ثم من يا رسول الله ؟ قال : ثم أبوك } ففضل الأم عليه الصلاة والسلام على الأب في حسن الصحبة - وقد سوى الله تعالى بين الأب والأم بإجماعنا وإجماعهم في الميراث إذا كان للميت ولد ف { لأبويه لكل منهما السدس } فمن أين تمنعون من تفضيلها عليه إذا أوجب ذلك نص ؟ .

ثم إن هؤلاء المحتجين بقول ابن مسعود هذا أول مخالفين له في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي ، قال : كان عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود لا يفضلان أما على جد .

قال أبو محمد : والمموهون بقول ابن مسعود هذا يخالفونه ، ويخالفون عمر ، فيفضلون الأم على الجد ، وهم يفضلون الأنثى على الذكر في بعض المواريث . فيقولون في امرأة ماتت وتركت زوجها ، وأمها ، وأخوين شقيقين ، وأختها لأم : إن للأخت للأم السدس كاملا ، وللذكرين الأخوين الشقيقين السدس بينهما ، لكل واحد منهما نصف السدس . ويقولون بآرائهم في امرأة ماتت وتركت زوجها ، أو أختها شقيقتها وأخا لأب : إن الأخ لا يرث شيئا - فلو كان مكانه أخت : فلها السدس ، يعال لها به ، فهم لا ينكرون تفضيل الأنثى على الذكر

ثم يموهون بتشنيع تفضيل الأم على الأب حيث أوجبه الله تعالى .

وأما قول إبراهيم : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين ، فإن كان خلاف أهل الصلاة كفرا أو فسقا فلينظروا فيما يدخلون ؟ والمعرض بابن عباس في هذا أحق بهاتين الصفتين من ابن عباس .

والعجب من هذه الرواية كيف يجوز أن يقول هذا إبراهيم وهو يروي عن علي بن أبي طالب . موافقة ابن عباس في ذلك كما أوردنا ؟ [ ص: 276 ] وما وجدنا قول المخالفين يصح عن أحد إلا عن زيد وحده ، وروي عن علي ، وابن مسعود ولم يصح عنهما - وقد يمكن أن يخرج قول عمر ، وعثمان ، وابن مسعود على قول ابن سيرين - وليس يقال في إضعاف هذه الروايات : خالف أهل الصلاة - فبطل ما موهوا به من هذا - ولله تعالى الحمد .

وأما قولهم في قول الله تعالى : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } أي مما يرثه أبواه : فباطل ، وزيادة في القرآن لا يجوز القول بها .

برهان ذلك ما رويناه من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة ، قال : أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين ؟ فقال : للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي ، فقال ابن عباس : أتقوله برأيك أم تجده في كتاب الله تعالى ؟ قال زيد : أقوله برأيي ، ولا أفضل أما على أب .

قال علي : فلو كان لزيد بالآية متعلق ما قال : أقوله برأيي لا أفضل أما على أب ، ولقال : بل أقوله بكتاب الله عز وجل

قال أبو محمد : ليس الرأي حجة ، ونص القرآن يوجب صحة قول ابن عباس بقوله تعالى : { فلأمه الثلث } فهذا عموم لا يجوز تخصيصه .

والعجب أنهم مجمعون معنا على قوله تعالى : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } أن ذلك من رأس المال ، لا مما يرثه الأبوان ، ثم يقولون هاهنا في قوله تعالى : { فلأمه الثلث } إن المراد به ما يرث الأبوان - وهذا تحكم في القرآن وإقدام على تقويل الله تعالى ما لم يقل - ونعوذ بالله من هذا .

وأما قول ابن سيرين : فأصاب في الواحدة وأخطأ في الأخرى ; لأنه فرق بين حكم النص في المسألتين ، وإنما جاء النص مجيئا واحدا على كل حال وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية