صفحة جزء
ثم نظرنا في الأقوال الباقية من مقاسمة الجد الإخوة إلى اثني عشر ، أو إلى ثمانية ، أو إلى سبعة ، أو إلى ستة ، أو إلى ثلاثة - : فوجدناها كلها عارية من الدليل ، لا يوجب شيئا منها ، لا قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية ضعيفة ، ولا دليل إجماع ، ولا نظر ، ولا قياس .

ثم وجدنا أكثرها لا يصح - على ما نبين إن شاء الله تعالى .

أما الرواية عن عمران ، وأبي موسى رضي الله عنهما ، فغير معروفة - يعني في مقاسمة الجد اثني عشر أخا له سهم كسهم كل واحد منهم .

وأما الرواية عن علي رضي الله عنه : أنه يقاسمهم إلى سبعة فيكون له الثمن ، ففيها قيس بن الربيع ، وقد تكلم فيه .

وأما الرواية عن علي في المقاسمة بين الجد وستة إخوة فيكون له السبع فصحيحة إلى الشعبي ، ثم لا يصح للشعبي سماع من علي أصلا ، ولم يذكر من أخبره عن علي .

وأما الرواية عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود في مقاسمة الجد الإخوة إلى خمسة ، فيكون له السدس ، فهي ثابتة عنهم من طريق إبراهيم عن عبيد بن نضلة عن عمر ، وابن مسعود .

ومن طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي .

وأما الرواية عن علي للجد الثلث على كل حال فلا تصح ; لأنها منقطعة عن قتادة : أن عليا ، وقتادة : لم يولد إلا بعد موت علي رضي الله عنه .

وأما الرواية عن عمر ، وعثمان ، وابن مسعود : بمقاسمة الجد الإخوة إلى الثلث ، فإنما جاءت من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري : أن عمر ، وعثمان ، وأن زيدا كتب إلى معاوية - ولم يدرك يحيى أحدا من هؤلاء .

ومن طريق إبراهيم : أن عمر - وهذا منقطع . [ ص: 323 ] ومن طريق أبي المعلى العطار عن إبراهيم عن علقمة ، وعبيد بن نضلة عن عمر ، وابن مسعود .

ومن طريق الهيثم بن بدر عن شعبة بن التوأم عن ابن مسعود ، وعمر ، وعثمان .

ومن طريق إسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبي عن مسروق عن عمر وابن مسعود - إسرائيل ضعيف - وجابر ساقط - والهيثم بن بدر مجهول .

وأما أبو المعلى العطار ، فهو يحيى بن ميمون مصري : لا بأس به ، فهي من طريق جيدة ، وإليها رجع ابن مسعود ، وعمر .

وأما الرواية بالتفصيل الطويل عن عمر ، وزيد بن ثابت : فلا تصح ألبتة ; لأنه منقطع عن عمر ، إنما هو سعيد بن المسيب ، وقبيصة بن ذؤيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة : أن عمر - ولا يصح سماع لعبيد الله ولا لقبيصة من عمر أصلا ، ولا لسعيد عن عمر ، إلا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر فقط ، مات عمر رضي الله عنه ولسعيد ثمان سنين .

ومن طريق زيد بن إبراهيم : أن زيدا - ولم يلق إبراهيم قط زيد بن ثابت - ولا أخبر ممن سمعه ، أو عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد - وعبد الرحمن في غاية الضعف ، والترك ، ولا سبيل إلى أن يوجد عن زيد من غير هاتين الطريقين إلا من أسقط منهما - إن وجدت - ولا يصح عن زيد في هذا شيء ، إلا قوله في أم ، وجد ، وأخت ، فقط ، لأنه عن الشعبي عنه ، والشعبي قد لقيه .

وقد روينا عن الشعبي عن قبيصة بن ذؤيب أن زيدا لم يقل في " الأكدرية " شيئا .

وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، ومعمر ، وهشام بن حسام ، قال سفيان ، ومعمر ، كلاهما عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين ، وقال هشام عن محمد بن سيرين ، ثم اتفقوا كلهم ، قال ابن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن فريضة فيها جد ؟ فقال عبيدة لقد حفظت عن عمر بن الخطاب فيها مائة قضية مختلفة ، قال ابن سيرين : فقلت لعبيدة عن عمر ؟ قال : عن عمر .

قال علي : لا سبيل إلى وجود إسناد أصح من هذا [ ص: 324 ] والعجب ممن يعترض عليه وينكره ، ويقول : محال أن يقضي فيها مائة قضية ، وما جعل الله تعالى قط هذا محالا ، إذ قد يرجع من قول إلى قول ، ثم إلى القول الأول ، ثم يعود إلى الثاني مرارا ، فهي كلها قضايا مختلفة ، وإن لم تكن إلا قولين ، ثم يصحح الباطل المحال الذي لا يعقل من إيجاب المقاسمة بين الجد والإخوة إلى ستة ، أو إلى ثلاثة من أجل غصنين تشعبا من غصن من شجرة - أو من أجل جدولين من خليج من نهر .

فاعجبوا لهذه المصائب ، ولهذه الإطلاقات على الصحابة رضي الله عنهم في الدين ، واعجبوا لإنكار الحق ، وتحقيق الباطل الذي لا خفاء به ؟ قال أبو محمد : فإن ادعوا أن قول زيد منقول عنه نقل التواتر كذبوا ، وإنما اشتهرت تلك المقالة لما اتفق أن قال بها مالك ، وسفيان ، والأوزاعي وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والشافعي - اشتهرت عند من قلدهم فانتشرت عن مقلديهم ، وأصلها واه ، ومخرجها ساقط ، ومنبعها لا يصح أصلا ، وإنما هؤلاء الذين أخذوا بهذه القولة كانوا يقولون بالمرسل ، حاش الشافعي ، فقد أقر أكثر أصحابه أنه فارق أصله في الفرائض ، فقلد ما روي عن زيد ، وأقواله تدل على أنه كان قليل البصر بالفرائض ، وإلا فليأتونا عن أحد من التابعين قال بها كما وجدناها عن هؤلاء ؟ قال أبو محمد : وموه بعضهم بأن قال : قد روي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أفرض أمته : زيد بن ثابت } ؟ قلنا : هذه رواية لا تصح ، إنما جاءت إما مرسلة ، وإما مما حدثنا به أحمد بن عمر بن أنس العذري ، قال : أنا علي بن مكي بن عيسون المرادي ، وأبو الوفا عبد السلام بن محمد بن علي الشيرازي - : قال مكي : نا أحمد بن أبي عمران الهروي نا أبو حامد أحمد بن علي بن حسنويه المقري بنيسابور نا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي نا سفيان بن وكيع نا حميد بن عبد الرحمن عن داود بن عبد الرحمن العطار عن معمر عن قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ، وفيه : { وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب } .

وقال أبو الوفا : أنا عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر السقطي نا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار [ ص: 325 ] نا أحمد بن محمد بن غالب نا عبيد الله بن معاذ العنبري نا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، وفيه : { وأقرؤهم أبي وأفرضهم زيد } .

قال إسماعيل بن محمد الصفار : ونا الحسن بن الفضل بن السمح نا محمد بن أبي غالب نا هشيم عن الكوثر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، وفيه : { وإن أقرأها لأبي ، وإن أفرضها لزيد ، وإن أقضاها لعلي } .

قال أبو محمد : هذه أسانيد مظلمة ; لأن أحمد بن أبي عمران ، وأبا حامد بن حسنويه مجهولان - وإسماعيل الصفار مثلهما ، وأحمد بن محمد بن غالب - إن كان غلام خليل فهو هالك متهم - وإن كان غيره فهو مجهول .

والحسن بن الفضل ، ومحمد بن أبي غالب ، والكوثر : مجهولون .

ثم لو صحت لما كان لهم فيها حجة ; لأنه لا يوجب كونه { أفرضهم } أن يقلد قوله ، كما لم يجب عندهم ما في هذه الأخبار من أن أبي بن كعب أقرؤهم ، وعليا أقضاهم أن يقتصروا على قراءة أبي دون سائر القراءات ، ولا على أقضية علي دون أقضية غيره - وهم يقرون أن الصحابة خالفوا زيدا في هذه المسألة .

ثم المالكيون قد خالفوه في فرائض الجدة ، كما ذكرنا في روايتهم عن زيد بمثل هذه التي تعلقوا بها : أنه كان يورث ثلاث جدات ، وهم لا يورثون إلا جدتين ، فمرة يكون زيد حجة ، ومرة لا يكون حجة - هذا هو التلاعب بالدين .

وأيضا : فإن في تلك الروايات الواهيات التي تعلقوا بها بيانا جليا بأن زيدا إنما قال ذلك برأيه لا عن سنة عنده ، فلو صحت عنه لما كان رأيه أولى من رأي غيره ، وهم لا يقدرون على إنكار هذا أصلا ، فكيف وقد جاء الاختلاف عن زيد كما أوردنا بأقوال عنه مختلفة ، ويكفي من هذا كله أنها باطل ، وأن قولتهم التي قلدوا فيها زيدا لا تصح عنه ؟ قال أبو محمد : نعيذ الله زيدا وعمر من أن يقولا تلك القولة التي لا نعلم في الأقوال أشد تخاذلا منها ; لأن فيها : أن المرأة تموت وتترك : زوجا ، وأما ، وأختا شقيقة ، وجدا : أن للزوج ثلاثة من ستة ، وللأم اثنين من ستة ، وللجد واحدا من ستة ، ثم يعال للأخت بثلاثة من ستة : صارت تسعة فيأخذ الجد السدس الذي وجب له ، ثم يضمه إلى [ ص: 326 ] النصف الذي وجب للأخت فيخلطانه ، ثم يأخذ الجد ثلثي ما اجتمع ، والأخت ثلث ما اجتمع .

فيا للعجب إن كانت الأسهم الثلاثة التي عيل بها للأخت قد وجبت للأخت ، فلم يعط الجد منها فلسا ، وكيف ينتزع حق الأخت ويعطى لمن لا يجب له - وهو الجد - ولعلها صغيرة ، أو مجنونة ، أو غائبة ، أو كارهة ؟ فهو ظلم وأكل مال بالباطل .

وإن كانت الثلاثة الأسهم التي عيل بها للأخت لم تجب لها فلأي شيء أخذوها من يد الزوج والأم ؟ وقالوا : هذا سهم الأخت وهذا هو الكذب ، فلا شك أن يقولوا : هو سهمها وليس هو سهمها ؟ وهذا ظلم للزوج وللأم ، وأكل مال بالباطل .

ثم يقولون في أخت شقيقة ، وأخ لأب ، وجد : أن الشقيقة تقول للجد : هذا أخي ؟ لا بد له من أن يقتسم المال معي ومعك ، للذكر مثل حظ الأنثيين ؟ فيقول الجد : كلا ، إنما هو أخ للميت لأب ، لا يقاسمك أصلا ، إما أنت ذات فرض مسمى ؟ فتقول له الأخت : ما عليك من هذا هو أخونا ؟ فيقسم المال على رغم أنف الجد ، له الخمسان ، وللأخ للأب الخمسان ، وللأخت الشقيقة الخمس - فإذا أخذ الجد سهمه وولى خاسئا قالت الأخت لأخيها : مكانك ، خل يدك عن المال ، إنما أقمتك لأزيل عن يد جدنا ما كان يحصل له ، وأنا أولى بهذا منك ؟ فينتزع من يد الأخ مما أعطوه على أنه حظه من الميراث خمسا ونصف خمس ، فتأخذه الأخت ، فيحصل لها النصف ، وللجد الخمسان ، وللأخت للأب نصف الخمس ، فإن كانتا أختين شقيقتين ، وأخا لأب ، وجدا ؟ فعلنا كذلك ، فإذا ولي الجد انتزع ما بيد الأخت للأب كله ، وأخذه الأختان .

فانظروا في هذه الأعجوبة لئن كان للأخ للأب حق واجب فما يحل انتزاعه منه - وإن كان لا حق له - فما يحل أن يقام وليجة ليعطي بالاسم ما لا يأخذه في الحقيقة ، وإنما يأخذه غيره .

ثم يقولون في ابنتين ، وزوج ، وأختين شقيقتين أو أخت شقيقة ، أو أخ شقيق ، وجد : أن للبنتين الثلثين وللزوج الربع ، وللجد السدس ، يعال له به ، ولا شيء للأخ ، ولا للأخت ، ولا للإخوة ، ولا للأخوات . [ ص: 327 ] فمرة يحتاطون للجد فينتزعون من يد الأخت ما يقولون أنه فرضها ، ويردون أكثره على الجد .

ومرة يورثون الجد ويمنعون الإخوة جملة .

ومرة يحتاطون للأخت فيقيمون وليجة يظهرون أنهم يورثونه وهم لا يورثونه ، إنما يعطونه للأخت ويحرمون الجد .

هذه مخاتلات قد نزه الله تعالى زيدا عنها ، ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل : أن زيدا ما قالها قط ، ولا عمر ، كان - والله - زيد ، وعمر - رضي الله عنهما - أخوف لله تعالى وأعلم من أن يقولا هذا - .

وحسبنا الله ونعم الوكيل .

قال علي : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها بيقين لا إشكال فيه ؟ فلم يبق إلا قول من قال : إنه أب لا يرث معه من لا يرث مع الأب ، وهو قول قد صح عن أبي بكر الصديق ، وعن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير .

وجاءت عن عثمان ، وعلي ، وابن مسعود بأسانيد إن لم تكن أحسن من أسانيد الأقوال المختلفة التي تعلقوا بها عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وزيد : لم تكن دونها .

فمن أعجب ممن ترك رواية صحت عن طائفة من الصحابة ، ورويت عن جمهورهم ، وجمهور التابعين لرواية فاسدة لم تصح قط عن أحد من الصحابة ، وإنما جاءت عن بعضهم باختلاف عن الذي رويت عنه أيضا نفسه ، ورجوع من قول إلى قول ؟ والعجب أنهم أصحاب تشنيع باتباع الجمهور ، وهم هاهنا قد خالفوا الجمهور من الصحابة والتابعين وهم أصحاب قياس بزعمهم ، وهم قد أجمعوا على أن يعطى الجد مع البنين الذكور ، والبنات ما يعطى الأب معهم .

وأجمعوا على توريث الجد مع البنين الذكور ، وعلى أن الإخوة لا يرثون معه هنالك شيئا . [ ص: 328 ] وأجمعوا على أن لا يورثوا الإخوة للأم مع الجد شيئا ، كما لا يرثون مع الأب - وليس هذا إجماعا في الأصل ، فقد جاء عن ابن عباس توريثهم مع الأب ومع الجد .

وأجمعوا على أن لا يورثوا بني الأخ مع الجد ، كما لا يورثونهم مع الأب - وليس هذا إجماعا في الأصل : فقد جاء عن علي توريثهم مع الجد .

وأجمعوا على أن لا يورثوا الأعمام مع الجد ، كما لا يرثون مع الأب .

وأجمعوا على ابن الابن أنه يرث ميراث الابن إذا لم يكن ابن ، ولا يرث إخوة الجد منه شيئا معهم - ثم لم يقيسوا على هذه الوجوه كلها توريث الجد من ابن ابنه دون إخوته ، ولا قاسوه على الأب إذا لم يكن أب .

وأجمعوا على أنه أب في تحريم ما نكح ، وفي تحريم القرائب ، فلا القياس أحسنوا ، ولا التقليد اتبعوا ، ولا النظر التزموا ، ولا بالنص أخذوا ؟ قال أبو محمد : والذي نعتمد عليه في هذا هو قول الله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } .

وقوله تعالى : { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } فصح أن الجد أب ، وأن ابن الابن ابن ، فله ميراث الأب ; لأنه أب ، ولابن الابن ميراث الابن ; لأنه ابن وكفى - وإن العجب ليعظم ممن خفي عليه هذا - وحسبنا الله ونعم الوكيل .

قال علي : وقد أتى بعضهم بآبدة ، وهي أن قال : ليس ما روي من أن أبا بكر جعل الجد أبا : بيان أن ذلك في الميراث ، قال : ولو كان ذلك ما خالفه عمر على تعظيمه أبا بكر .

وذكروا ما روينا من طريق شعبة نا عاصم الأحول عن الشعبي : أن أبا بكر قال في " الكلالة " أقضي فيها ؟ فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله منه بريء : هو ما دون الولد والوالد ؟ فقال عمر : إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر ؟ [ ص: 329 ] قال أبو محمد : هذا كله من المجاهرة القبيحة - : أول ذلك : أن هذه رواية منقطعة ، أين الشعبي من عمر ؟ والله ما ولد إلا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام - ثم إنها رواية باطلة بلا شك ، لأن مخالفة عمر لأبي بكر أشهر من الشمس ، وليس تعظيمه إياه بموجب أن لا يخالفه - : وأول ذلك : الخبر الذي أوردنا بأصح إسناد من طريق عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال له عمر : إني قد رأيت في الجد رأيا ، فقال له عثمان : إن نتبع رأيك فإنه رأي رشد ، وإن نتبع رأي الشيخ قبلك ، فنعم ذوي الرأي كان قال عثمان : وكان أبو بكر يجعله أبا فاعجبوا لهذا العمى ، ولعبادة الهوى والمجاهرة بالكذب ، وانظروا هل يحتمل هذا القول من عثمان شيئا غير أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا في الميراث .

وقد صح خلاف عمر لأبي بكر في " الكلالة " نفسها ، وفي ترك الاستخلاف وفي قضايا كثيرة جدا - نعوذ بالله من الخذلان .

ثم لو صح ما قال لكان لم يخالفه عمر ; لأنه قد صح عن عمر : القول بأن الجد أب في الميراث كما أوردنا ، فلم يخالف أبا بكر إذا وافقه في ذلك ، بل هو آخر قول قاله - وإليه رجع كما أوردنا ، فهو أول أقوال عمر وآخر أقواله بإسناد صحيح لا داخلة فيه ؟ قال أبو محمد : ومن براهيننا أيضا في هذه المسألة : أن الله - تعالى - لم يذكر في القرآن ميراث الإخوة ألبتة ، ولا ميراث الأخوات إلا في آيتي " الكلالة " فوجب ضرورة بنص القرآن أن لا يرث أخ ، ولا أخت ، إلا في ميراث الكلالة ، ووجب أن لا يؤخذ ميراث الكلالة ، إلا من نص أو إجماع راجع إلى النص - : فوجدنا من ورثه إخوة ذكور أو إناث ، أو كلاهما - أشقاء ، أو لأب أو لأم - ولم يكن للميت ولد ذكر ، ولا ولد ولد ذكر ، ولا ابنة ، ولا أب ، وجد لأب ، فإنه إجماع مقطوع عليه من جميع الأمة ، على أنه ميراث كلالة .

ووجدنا السلف مختلفين - إذا كان للميت أحد ممن ذكرنا - فبعضهم يقول : هو ميراث كلالة ، وبعضهم يقول : ليس ميراث كلالة ، فوجب الانقياد للإجماع المتيقن ، وترك ما اختلف فيه ، إذ لا نص عند المختلفين في ذلك ، فوجب أن لا ميراث ألبتة لأخ ، [ ص: 330 ] ولا لأخت - ما دام للميت أحد ممن ذكرنا - إلا أن يوجب ذلك نص فيستثنى من هذا النص الآخر ، وليس ذلك إلا في الأخ الذكر الشقيق ، أو للأب مع الابنة والبنتين فصاعدا ، وفي الأخت مع البنت والبنتين فصاعدا - إذا لم يكن هنالك عاصب ذكر - وبالله تعالى التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية