صفحة جزء
[ ص: 349 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوصايا 1751 - مسألة : الوصية فرض على كل من ترك مالا ، لما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة } قال ابن عمر : ما مرت علي ليلة مذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي .

وروينا إيجاب الوصية من طريق ابن المبارك عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر من قوله .

ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عبيد الله قال : كان طلحة ، والزبير يشددان في الوصية - وهو قول عبد الله بن أبي أوفى ، وطلحة بن مطرف ، وطاوس ، والشعبي ، وغيرهم - وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا . [ ص: 350 ] وقال قوم : ليست فرضا ، واحتجوا : بأن هذا الخبر رواه يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه { له شيء يريد أن يوصي فيه } .

قالوا : فرد الأمر إلى إرادته ؟ وقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص ، ورووا : أن ابن عمر - وهو راوي الخبر - لم يوص ، وأن حاطب بن أبي بلتعة بحضرة عمر لم يوص ، وأن ابن عباس قال فيمن ترك ثمانمائة درهم : قليل ، ليس فيها وصية ، وأن عليا نهى من لم يترك إلا من السبعمائة إلى التسعمائة عن الوصية ، وأن عائشة أم المؤمنين قالت فيمن ترك أربعمائة دينار : في هذا فضل عن ولده .

وعن النخعي ليست الوصية فرضا .

وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي .

قال أبو محمد : كل هذا لا حجة لهم في شيء منه - : أما من زاد في روايته " يريد أن يوصي " فإن مالك بن أنس رواه كما أوردنا بغير هذا اللفظ ، لكن بلفظ الإيجاب فقط .

ورواه عبد الله بن نمير ، وعبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، كما رواه مالك .

ورواه يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر كما رواه مالك .

ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك ، ويونس عن نافع - وكلا الروايتين صحيح .

فإذ هما صحيحان فقد وجبت الوصية برواية مالك ، ووجب عليه أن يريدها ولا بد - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 351 ] وأما قولهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص فقد كانت تقدمت وصيته بجميع ما ترك بقوله الثابت يقينا { إنا معشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة } وهذه وصية صحيحة بلا شك ، لأنه أوصى بصدقة كل ما يترك إذا مات ، وإنما صح الأثر بنفي الوصية التي تدعيها الرافضة إلى علي فقط .

وأما ما رووا من أن ابن عمر لم يوص ، فباطل ; لأن هذا إنما روي من طريق أشهل بن حاتم - وهو ضعيف - .

ومن طريق ابن لهيعة - وهو لا شيء - والثابت عنه ما رواه مالك عن نافع من إيجابه الوصية ، وأنه لم يبت ليلته مذ سمع هذا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم إلا ووصيته عنده مكتوبة .

وأما حديث حاطب وعمر : فمن رواية ابن لهيعة ، وهي أسقط من أن يشتغل بها .

وأما خبر ابن عباس : ففيه ليث بن أبي سليم - وهو ضعيف - .

وأما حديث علي فإنه حد القليل بما بين السبعمائة إلى التسعمائة وهم لا يقولون بهذا - وليس في حديث أم المؤمنين بيان بما ادعوا .

ثم لو صح كل ذلك لما كانت فيه حجة ; لأنه قد عارضهم صحابة ، كما أوردنا ، وإذا وقع التنازع لم يكن قول طائفة أولى من قول أخرى ، والفرض حينئذ هو الرجوع إلى القرآن والسنة ، وكلاهما يوجب فرض الوصية ، أما السنة : فكما أوردنا ، وأما القرآن : فكما نورد - إن شاء الله تعالى ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية