صفحة جزء
1795 - مسألة : ولا تقبل شهادة من لم يبلغ من الصبيان ، لا ذكورهم ولا إناثهم ، ولا بعضهم على بعض ، ولا على غيرهم ، لا في نفس ولا جراحة ، ولا في مال ، ولا يحل الحكم بشيء من ذلك ، لا قبل افتراقهم ولا بعد افتراقهم - وفي هذا خلاف كثير - : فصح عن ابن الزبير أنه قال : إذا جيء بهم عند المصيبة جازت شهادتهم .

قال ابن أبي مليكة : فأخذ القضاة بقول ابن الزبير - وأجاز بعضهم شهادتهم في خاص من الأمر ، لا في كل شيء - : كما روينا عن قتادة عن الحسن ، قال : قال علي بن أبي طالب : شهادة الصبي على الصبي جائزة ، وشهادة العبد على العبد جائزة .

قال الحسن : وقال معاوية : شهادة الصبيان على الصبيان جائزة ، ما لم يدخلوا البيوت فيعلموا - وعن علي مثل هذا أيضا .

ومن طريق ابن أبي شيبة عن وكيع نا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن الشعبي عن مسروق : أن ستة غلمان ذهبوا يسبحون ، فغرق أحدهم ، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه ، وشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه - : فقضى علي بن أبي طالب على الثلاثة خمسي الدية ، وعلى الاثنين ثلاثة أخماس الدية .

وروينا أيضا نحو هذا عن مسروق .

وروينا عن يحيى بن سعيد القطان نا سفيان الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق : أن ثلاثة غلمان شهدوا على أربعة ، وشهد الأربعة على الثلاثة ، فجعل مسروق على الأربعة ثلاثة أسباع الدية ، وعلى الثلاثة أربعة أسباع الدية .

وروينا أيضا عن ابن المسيب ، والزهري : جواز شهادة الصبيان بقولهم - مع أيمان المدعي - ما لم يتفرقوا ، وأنه قضى بمثل ما قضى به علي بن أبي طالب في دية ضرس .

وعن أبي الزناد : السنة أن يؤخذ في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح مع أيمان المدعين . [ ص: 514 ]

وعن عمر بن عبد العزيز : أنه أجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح المتقاربة ، فإذا بلغت النفوس قضى بشهادتهم مع أيمان الطالبين .

وعن ربيعة : جواز شهادة بعض الصبيان على بعض ما لم يتفرقوا .

وعن شريح : أن شهادة الصبيان تقبل إذا اتفقوا ، ولا تقبل إذا اختلفوا ، وأنه أجاز شهادة صبيان في مأمومة .

وعن ابن قسيط ، وأبي بكر بن حزم : قبول شهادة الصبيان فيما بينهم ما لم يتفرقوا .

وعن عطاء ، والحسن : تجوز شهادة الصبيان على الصبيان .

وعن إبراهيم النخعي : تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض ، وقال : كانوا يجيزونها فيما بينهم .

وقال ابن أبي ليلى : تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في كل شيء .

وقال مالك : تجوز شهادة الصبيان على الصبيان فقط ، ولا تجوز شهادتهم على صغير أنه جرح كبيرا ، ولا على كبير أنه جرح صغيرا ، ولا تجوز إلا في الجراح خاصة ، ولا تجوز شهادة الصبايا في شيء من ذلك أصلا ، ولا تجوز في شيء من ذلك شهادة من كان منهم عبدا ، فإن اختلفوا لم يلتفت شيء من قولهم وقضي على جميعهم بالدية سواء .

قال أبو محمد : ما نعلم عن أحد قبله فرقا بين صبي وصبية ولا بين عبد منهم من حر .

وقالت طائفة : لا تقبل شهادتهم في شيء أصلا ، كما ذكرنا قبل عن عمر ، وعثمان في الصغير يشهد فترد شهادته ، ثم يبلغ فيشهد بتلك الشهادة أنها لا تقبل .

وصح عن ابن عباس من طريق ابن أبي مليكة : لا تقبل شهادة الصبيان في شيء .

وعن عطاء : لا تجوز شهادة الغلمان حتى يكبروا - وعن قاسم بن محمد ، وسالم ، والنخعي مثل قول عطاء .

وعن الحسن : لا تقبل شهادة الغلمان على الغلمان . [ ص: 515 ]

وعن ابن سيرين : لا تقبل شهادتهم حتى يبلغوا .

وعن الشعبي ، وشريح : أنهما كانا يقبلانها إذا ثبتوا عليها حتى يبلغوا .

وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري في غلمان شهد بعضهم على بعض بكسر يد صبي منهم ؟ فقال : لم تكن شهادة الغلمان فيما مضى من الزمان تقبل - وأول من قضى بذلك مروان .

قال أبو محمد : وبمثل قولنا يقول مكحول ، وسفيان الثوري ، وابن شبرمة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيدة ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو سليمان ، وجميع أصحابنا .

قال علي : لم نجد لمن أجاز شهادة الصبيان حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا نظر ، ولا احتياط ، بل هو قول متناقض ، لأنهم فرقوا بين شهادتهم على كبير أو لكبير ، وبين شهادتهم على صغير أو لصغير .

وفرق مالك بين الجراح وغيرها ، فلم يجزها في تخريق ثوب يساوي ربع درهم ، وأجازها في النفس والجراح .

وفرق بين الصبايا والصبيان - وهذا كله تحكم بالباطل ، وخطأ لا خفاء به ، وأقوال لا يحل قبولها من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد اختلف الصحابة في ذلك ، وحجة من قال بقولنا هو قول الله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال : { ممن ترضون من الشهداء } وليس الصبيان ذوي عدل ولا يرضاهم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاثة ، فذكر الصبي حتى يبلغ } .

وليس في العجب أكثر من رد شهادة عبد فاضل ، صالح عدل ، رضي - وتقبل شهادة صبيين لا عقل لهما ، ولا دين ، وفي هذا كفاية - .

وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية