صفحة جزء
1815 - مسألة : ومن ادعى شيئا في يد غيره فإن أقام فيه البينة ، أو أقام كلاهما البينة قضي به للذي ليس الشيء في يده ، إلا أن يكون في بينة من الشيء في يده بيان زائد بانتقال ذلك الشيء إليه ، أو يلوح بتكذيب بينة الآخر - وهو قول سفيان ، وأبي حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان .

وقال مالك ، والشافعي : يقضى به للذي هو في يده ، وحجتهم أنه قد تكاذبت البينتان ، فوجب سقوطهما .

قال أبو محمد : وليس كما قالوا ، بل بينة من الشيء في يده غير مسموعة ; لأن الله تعالى لم يكلفهم ببينة ، إنما حكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام بأن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه .

قال عليه الصلاة والسلام : { بينتك أو يمينه ليس لك غير ذلك } .

فصح أنه لا يلتفت إلى بينة المدعى عليه - وبالله تعالى التوفيق .

1816 - مسألة : فلو لم يكن الشيء في يد أحدهما فأقام كلاهما البينة قضي به بينهما ، فلو كان في أيديهما معا ، فأقاما فيه بينة أو لم يقيما قضي به بينهما .

أما إذا لم يكن في أيديهما فإنه قد ثبتت البينتان أنه لهما فهو لهما .

وأما إذا كان في أيديهما فإن لم تقم لهما بينة فهو لهما ; لأنه بأيديهما مع أيمانهما .

وأما إذا أقام كل واحد منهما بينة فإن بينته لا تسمع فيما في يده كما قدمنا وقد شهدت له بينته بما في يد الآخر فيقضى له بذلك .

وبالله تعالى التوفيق .

1817 - مسألة : فإن تداعياه ، وليس في أيديهما ، ولا بينة لهما - : أقرع بينهما على اليمين ، فأيهما خرج سهمه حلف وقضي له به - وهكذا كل ما تداعيا فيه مما يوقن بلا شك أنه ليس لهما جميعا ، كدابة يوقن أنها نتاج إحدى دابتيهما - : روينا من طريق أبي داود نا محمد بن منهال نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبي عروبة [ ص: 538 ] عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن جده أبي موسى { : أن رجلين ادعيا بعيرا أو دابة فأتيا به النبي صلى الله عليه وسلم ليس لواحد منهما بينة فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها } .

وبه إلى قتادة عن خلاس بن عمرو عن أبي رافع عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان في متاع ليس لواحد منهما بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استهما على اليمين } ما كان - أحبا ذلك أم كرها - ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا خالد بن الحارث نا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن أبي رافع عن أبي هريرة { أن رجلين ادعيا دابة ولم تكن لهما بينة ، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين } .

قال أبو محمد : فالقسمة بينهما حيث هو في أيديهما ; لأنه لهما بظاهر اليد ، والقرعة حيث لا حق لهما ، ولا لأحدهما ، ولا لغيرهما فيه .

ومن طريق أبي داود نا محمد بن بشار نا الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري : { أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث كل واحد منهما شاهدين فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بنصفين } .

ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني علي بن محمد بن علي بن أبي المضاء قاضي المصيصة قال : نا محمد بن كثير عن حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس بن مالك عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه { أن رجلين ادعيا دابة وجداها عند رجل ، فأقام كل واحد منهما شاهدين أنها دابته فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بنصفين } .

فهذا نص على إقامة البينة من كل واحد منهما - وليس في أيديهما أو وهو في أيديهما - لأنه إذا كان في أيديهما معا فهو بلا شك لهم بظاهر الأمر ، وإذا لم يكن في أيديهما أقام كل واحد منهما فيه البينة فقد شهد به لهما ، وليست إحدى البينتين أولى من الأخرى ، فالواجب قسمته في كل ذلك بينهما .

وأما إذا لم يكن في أيديهما ولم يقم واحد منهما فيه البينة ، ولا كلاهما ، فهما مدعيان وليس لهما أصلا ولا لمدعى عليه سواهما .

وكذلك إذا كان لا تجوز البينة أن تكون لهما جميعا لكن لأحدهما أو لغيرهما إلا أنه [ ص: 539 ] ليس في يد أحد غيرهما ، ولا في أيديهما ، أو كان في أيديهما جميعا ، ففي هذه المواضع يقرع على اليمين ، ولا تجوز قسمته بينهما فيكون ذلك ظلما مقطوعا به ، وقضية جور بلا شك فيها ، وهذا لا يحل أصلا ، قال تعالى : { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } والجور المتيقن إثم وعدوان لا شك فيه - وبالله تعالى التوفيق .

وقد اختلف الناس في هذا - : فقال أبو حنيفة : إذا أقام كل واحد منهما البينة - فسواء كان الشيء في أيديهما معا ، أو لم يكن في يد واحد منهما : هو بينهما بنصفين مع أيمانهما .

وكذلك إذا لم يقيما بينة والشيء في أيديهما معا وليس في أيديهما ولا مدعي له سواهما ، فأيهما نكل قضي به للذي حلف .

فإن وقتت كلتا البينتين قضي به لصاحب الوقت الأول .

فإن وقتت إحدى البينتين ولم توقت الأخرى قضي به بينهما .

وقال أبو يوسف : قضي به للذي وقتت بينته .

وقال محمد بن الحسن : بل للذي لم توقت بينته .

قال أبو محمد : كل ما خالف مما ذكرنا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوردنا فهو باطل ; لأنه قول بلا برهان - وقال مالك : يقضى بأعدل البينتين .

قال علي : وهذا قول فاسد ; لأنه لم يأت به برهان قرآن ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا عن أحد من الصحابة ولا يؤيده قياس ، وإنما كلفنا عدالة الشهود فقط ، ولا فضل في ذلك لأعدل البرية على عدل ، وهم مقرون بأنه لو شهد الصديق - رضي الله عنه - بطلاق ، فإنه لا يقضى بذلك ، فلو شهد به عدلان من عرض الناس قضي به .

وأين ترجيح أعدل البينتين من هذا العمل ؟ وهذا قول خالف فيه كل من روي عنه في هذه المسألة لفظة من الصحابة إنما روي القول بأعدل البينتين عن الزهري وقال : فإن تكافأت في العدالة أقرع بينهما وهم لا يقولون بهذا .

وجاء عن عطاء ، والحسن - وروي أيضا عن علي بن أبي طالب تغليب أكثر البينتين عددا - وقال به الأوزاعي إذا تكافأ عددهما . [ ص: 540 ]

واضطرب قول الشافعي في ذلك - : فمرة قال : يوقف الشيء .

ومرة قال : يقسم بينهما .

ومرة قال : يقرع بينهما .

وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد : إذا ادعى اثنان شيئا ليس في أيديهما ، وأقام كل واحد منهما البينة العدلة : أقرع بينهما ، وقضي بذلك الشيء لمن خرجت قرعته ، ولا معنى لأكثر البينتين ، ولا لأعدلهما .

قال أبو محمد : فإن ذكر ذاكر ما روينا من طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن عبد الرحمن بن الحارث عن سعيد بن المسيب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استوى الشهود أقرع بين الخصمين } فهو عليهم ، لأن فيه الإقراع ، ولا يقولون به .

التالي السابق


الخدمات العلمية