صفحة جزء
1818 - مسألة : [ وتقبل ] الشهادة على الشهادة في كل شيء ، ويقبل في ذلك واحد على واحد .

واختلف الناس في هذا - : فقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : تقبل الشهادة على شهادة الحاضر في المصر ، وإن كان صحيحا .

وقال مالك : لا تقبل على شهادة الحاضر إلا أن يكون مريضا ، ولم يحد عنه مقدار المسافة التي إذا كان الشاهد بعيدا على قدرها قبلت الشهادة على شهادته .

وقال أبو حنيفة ، والحسن بن حي ، وسفيان الثوري : لا تقبل شهادة على شهادة إلا إذا كان على مقدار تقصر إليه الصلاة .

قال علي : لم نجد لمن منع من قبول الشهادة على شهادة الحاضر - : حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا قول أحد سلف ، ولا قياس ، ولا معقول ، لا سيما هذه الحدود الفاسدة .

وقد أمرنا الله تعالى ، بقبول شهادة العدول ، والشهادة على الشهادة شهادة عدول ، فقبولها واجب ، وكذلك لو بعدت جدا ولا فرق .

واختلفوا أيضا في كم تقبل على شهادة العدول ؟ فروينا عن علي من طريق ابن ضميرة - وهو مطرح - أنه لا يقبل على شهادة واحد [ ص: 541 ] إلا اثنان ، وعن ربيعة مثله - وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، إلا أنهما أجازا شهادة ذينك الاثنين أيضا على شهادة العدل الآخر .

وقال الشافعي : لا بد من أخرى على شهادة الآخر ، فلا يقبل على شهادة اثنين إلا أربعة ، ولا يقبل على شهادة أربعة في الزنى إلا ستة عشر عدلا .

وقالت طائفة - مثل قولنا - : روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا عبد الله بن المبارك عن حكيم بن رزيق قال قرأت في كتاب عمر بن عبد العزيز إلى أبي : أن أجز شهادة رجل على شهادة رجل آخر وذلك في كسر سن .

ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان ، ومعمر ، قال سفيان : عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي : إنه كان يجيز شهادة رجل على شهادة رجل - وقال معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن شريح : إنه كان يجيز شهادة رجل على شهادة رجل ، ويقول له : أشهدني ذوي عدل .

ورويناه عن الزهري ، والقضاة قبله ، ويزيد بن أبي حبيب - وهو قول الحسن البصري ، وابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، وعثمان البتي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

قال أبو محمد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بينتك أو يمينه } ولا فرق بين واحد وبين اثنين في تبيين الحق بذلك ، كلاهما يجوز عليه ما يجوز على الواحد ، فكلما قال قائل من العلماء : إنه بينة فهو بينة ، إلا أن يمنع من ذلك نص - وإنما هو خبر ، والخبر يؤخذ من الواحد الثقة .

واختلفوا أيضا فيما يقبل فيه شهادة شاهد على شهادة شاهد .

فروينا من طريق فيها الحارث بن نبهان - وهو هالك - عن الحسن بن عمارة - وهو تالف - عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب لم يسمع منه غير نعيه [ ص: 542 ] النعمان ، قال : لا تجوز شهادة على شهادة في حد ، ولا في دم ولا في طلاق ، ولا نكاح ، ولا عتق ، إلا في المال وحده .

وروينا ذلك عن إبراهيم النخعي .

وصح عن الشعبي ، وقتادة ، والنخعي : لا تجوز شهادة على شهادة في حد - وهو قول الأوزاعي .

ورويناه أيضا عن شريح ، ومسروق ، والحسن ، وابن سيرين .

وقال أبو حنيفة : تجوز في كل شيء إلا الحدود والقصاص .

وقال مالك ، والليث ، والشافعي : يجوز في كل شيء الحدود وغيرها .

قال أبو محمد : تخصيص حد أو غيره لا يجوز إلا بنص ، ولا نص في ذلك - هذا مما خالفوا فيه الرواية عن عمر لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة ، وهذا مما خالف فيه مالك جمهور العلماء - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية