صفحة جزء
1839 - مسألة : وكل ثيب فإذنها في نكاحها لا يكون إلا بكلامها بما يعرف به رضاها ، وكل بكر فلا يكون إذنها في نكاحها إلا بسكوتها ، فإن سكتت فقد أذنت ولزمها النكاح ، فإن تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك ، فلا ينعقد بهذا نكاح عليها .

[ ص: 58 ] برهان ذلك - : ما ذكرناه قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البكر { إذنها صماتها } ، وما رويناه عن مسلم : حدثني عبيد الله بن عمر القواريري نا خالد بن الحارث نا هشام - هو الدستوائي - عن يحيى بن أبي كثير نا أبو سلمة - هو ابن عبد الرحمن بن عوف - نا أبو هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : أن تسكت } .

قال أبو محمد : فذهب قوم من الخوالف إلى أن البكر إن تكلمت بالرضا فإن النكاح يصح بذلك خلافا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة رضي الله عنهم ، فسبحان الذي أوهمهم أنهم أصح أذهانا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع في نفوسهم أنهم وقفوا على فهم وبيان غاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله عن مثل هذا .

فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أبطل النكاح كما تسمعون عن البكر ما لم تستأذن فتسكت ، وأجازه إذا استأذنت فسكتت بقوله عليه الصلاة والسلام { لا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها صماتها } .

وأما الصحابة فإنهم كما أوردنا في الخبر المذكور آنفا لم يعرفوا ما إذن البكر حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، وإلا فكان سؤالهم عند هؤلاء فضولا ، وحاش لهم من ذلك ، فتنبه هؤلاء لما لم يتنبه له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نبه عنه عليه السلام ، وهذا كما ترون .

وما علمنا أحدا من السلف روي عنه أن كلام البكر يكون رضا ، وقد روينا عن عمر بن الخطاب ، وعلي ، وغيرهما : أن إذنها هو السكوت .

ومن عجائب الدنيا قول مالك : إن العانس البكر لا يكون إذنها إلا بالكلام - وهذا مع مخالفته لنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي غاية الفساد لأنه أوجب فرضا على العانس ما أسقطه عن غيرها فلوددنا أن يعرفونا الحد الذي إذا بلغته المرأة انتقل فرضها إلى ما ذكر - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية