صفحة جزء
[ ص: 63 ] مسألة : ولا يحل للزانية أن تنكح أحدا ، لا زانيا ولا عفيفا حتى تتوب ، فإذا تابت حل لها الزواج من عفيف حينئذ .

ولا يحل للزاني المسلم أن يتزوج مسلمة لا زانية ولا عفيفة حتى يتوب ، فإذا تاب حل له نكاح العفيفة المسلمة حينئذ .

وللزاني المسلم أن ينكح كتابية عفيفة وإن لم يتب ، فإن وقع شيء مما ذكرنا فهو مفسوخ أبدا ، فإن نكح عفيف عفيفة ثم زنى أحدهما أو كلاهما لم يفسخ النكاح بذلك .

وقد قال بهذا طائفة من السلف - : كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن عمرو بن مروان عن عبد الرحمن الصدائي عن علي بن أبي طالب : أن رجلا أتى إليه فقال : إن لي ابنة عم أهواها ، وقد كنت نلت منها ؟ فقال له علي : إن كان شيئا باطنا - يعني الجماع - فلا ، وإن كان شيئا ظاهرا - يعني القبلة - فلا بأس .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الله بن إدريس الأودي عن ليث بن أبي سليم عن ابن سابط : أن علي بن أبي طالب أتي بمحدود تزوج غير محدودة ؟ ففرق بينهما .

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة نا قتادة ، والحكم بن عتيبة ، كلاهما عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود : لا يزالان زانيين .

وبه إلى علي بن عبد الله نا سفيان بن عيينة وعبد الرزاق ، قال عبد الرزاق : نا معمر ، ثم اتفق سفيان ، ومعمر ، قالا جميعا : نا الحكم بن أبان أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها ؟ فقال سالم : سئل عن ذلك ابن مسعود فقال : { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } الآية .

قال أبو محمد : القولان منه متفقان ، لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : لا يزالان زانيين ما اصطحبا - يعني : الرجل يتزوج امرأة زنى بها . [ ص: 64 ] ومن طريق ابن أبي شيبة نا أسباط عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب في الرجل يفجر بالمرأة ثم يريد نكاحها قال : لا يزالان زانيين أبدا .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن عبد الله قال : إذا تابا وأصلحا فلا بأس - يعني الرجل يزني بالمرأة ثم يريد نكاحها .

ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا عبد الواحد بن غياث نا أبو عوانة عن موسى بن السائب عن معاوية بن قرة عن ابن عمر أنه سئل عن رجل فجر بامرأة أيتزوجها ؟ قال : إن تابا وأصلحا .

ومن طريق إسماعيل نا حجاج بن المنهال ، وسليمان بن حرب قالا جميعا : نا حماد بن سلمة عن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال : لا ينكح المجلود إلا مجلودة .

ومن طريق إسماعيل نا سليمان بن حرب نا أبو هلال نا قتادة عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب : لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام يتزوج محصنة ، فقال له أبي بن كعب : يا أمير المؤمنين : الشرك أعظم من ذلك ، فقد يقبل منه إذا تاب .

ومن طريق إسماعيل نا علي بن عبد الله نا سفيان بن عيينة قال : قال عبيد الله بن أبي يزيد : سمعت ابن عباس يقول : { الزاني لا ينكح إلا زانية } قال : هو حكم بينهما . وصح مثل هذا عن إبراهيم النخعي ، وسعيد بن المسيب ، وصلة بن أشيم وعطاء ، وسليمان بن يسار ، ومكحول ، والزهري ، وابن قسيط ، وقتادة ، وغيرهم - وقد جاء إباحة نكاحهما عن أبي بكر ، وعمر ، وابن عباس ، وابن عمر .

قال أبو محمد : والحجة لقولنا هو قول الله عز وجل : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } .

فقال قوم : روي عن سعيد بن المسيب أنه قال : يزعمون أنها نسخت بالآية التي [ ص: 65 ] بعدها { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم } .

قال أبو محمد : وهذه دعوى بلا برهان ، ولا يجوز أن يقال في قرآن ، أو سنة : هذا منسوخ إلا بيقين يقطع به ، لا بظن لا يصح وإنما الفرض استعمال النصوص كلها .

فمعنى قوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } .

وقوله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى } إلا ما حرم عليكم من الأقارب وغيرهن ، هذا ما لا شك فيه ، ونكاح الزانية ونكاح الزاني لمؤمنة مما حرم علينا ، فهو مستثنى من ذلك العموم بلا شك كاستثناء سائر ما حرم علينا من النساء .

وقال آخرون : معنى ينكح ههنا : يطأ ، ليس معناه : يتزوج .

قال أبو محمد وهذه دعوى أخرى بلا برهان ، وتخصيص للآية بالظن الكاذب ، ولو كان ما قالوه لحرم على الزوج وطء زوجته إذا زنت وهذا لا يقولونه .

فإن قالوا : إنما حرم وطؤها بالزنا فقط ؟ قلنا : وهذه زيادة في التخصيص بلا برهان ، ودعوى كاذبة بيقين ، إذ لا دليل عليها ، وهذا لا يحل في دين الله عز وجل مع أنه تفسير كاذب بيقين ، لأننا قد نجد الزاني يستكره العفيفة المسلمة فيكون زانيا بغير زانية وحاش لله من أن نقول ما يدفعه العيان .

وإنما الرواية عن أبي بكر ، وعمر - رضي الله عنهما - بحضرة الصحابة ، فكما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني - نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة نا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال : بينما أبو بكر الصديق في المسجد إذ جاء رجل فلاث عليه لوثا من كلام - وهو دهش - فقال أبو بكر لعمر : قم فانظر في شأنه ، فإن له شأنا . فقام إليه عمر ، فقال له : إن ضيفا ضافني فزنى بابنته ؟ فضرب عمر في صدره ، وقال له : قبحك الله ، ألا سترت على ابنتك ، فأمر بهما أبو بكر فضربا الحد ، ثم زوج أحدهما الآخر ، ثم أمر بهما أن يغربا حولا .

[ ص: 66 ] قال أبو محمد : هذا لا حجة لهم فيه ; لأن الأظهر أنه كان بعد توبتهما وهو حجة عليهم ، لأن فيه أن أبا بكر غربهما حولا ، والحنفيون لا يرون تغريبا في الزنا جملة .

والمالكيون لا يرون تغريب المرأة في الزنا .

فهذا فعل أبي بكر ، وعمر بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - بخلافهم .

وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا علي بن المديني نا يزيد بن زريع نا حبيب - هو المعلم - قال : جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيب ، فقال له : ألا تعجب من الحسن يزعم أن المجلود الزاني لا ينكح إلا مثله ، يتأول بذلك هذه الآية { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } فقال له عمرو بن شعيب : وما تعجب ؟

نا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله } .

وكان عبد الله بن عمرو ينادي به نداء - : نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر - هو ابن حماد - نا مسدد نا المعتمر - هو ابن سليمان التيمي - قال : سمعت أبي يقول : حدثني الحضرمي بن لاحق عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عبد الله بن عمرو بن العاص { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذنه رجل من المهاجرين في امرأة يقال لها : أم مهزول أو ذكر له أمرها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، فأنزلت { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } . }

ومن طريق أبي داود نا موسى بن إسماعيل نا أبان - هو ابن يزيد العطار - عن يحيى هو ابن أبي كثير - عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال في حديث : { ومهر البغي خبيث } .

قال أبو محمد : لا يسمى في الديانة ، ولا في اللغة أجرة الزنا مهرا ، إنما المهر في الزواج ، فإذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهرها فقد حرم زواجها ، إذ لا بد في الزواج من مهر ضرورة ، هذا لا إشكال فيه ، فإذا تابت فليس مهرها مهر بغي فهو حلال ، ومن ادعى غير [ ص: 67 ] هذا ، فقد ادعى ما لا برهان له به ، فهو باطل - وبالله تعالى التوفيق .

وأما التي تزوجها عفيف وهي عفيفة ثم زنى أحدهما أو كلاهما ، فإنما قلنا : إنه لا يفسخ نكاحهما ؟ لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - نا النضر بن شميل نا حماد بن سلمة نا هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس { أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن تحتي امرأة جميلة لا ترد يد لامس ؟ قال طلقها ، قال : إني لا أصبر عنها ؟ قال : فأمسكها } .

وقد أقر ماعز بالزنا - وهو محصن - فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أبكر أم ثيب ؟ فقيل له : بل ثيب ، فأمر برجمه ولم يفسخ نكاحه .

وقد جاء في هذا خلاف قديم : - روينا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة أن علي بن أبي طالب قال في البكر إذا زنى قبل أن يدخل بأهله : جلد الحد ، فيفرق بينه وبين أهله ، ولها نصف الصداق ، فإن زنت هي جلدت وفرق بينهما ولا صداق لها .

ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن إدريس الأودي - هو عبد الله - عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، قال : البكر إذا زنت جلدت وفرق بينها وبين زوجها وليس لها شيء - ومن طريق ابن أبي شيبة نا عبدة عن سعيد عن علي بن ثابت عن نافع عن ابن عمر قال : إذا رأى أحدكم امرأته على فاحشة أو أم ولده فلا يقربنها - وهو قول الحسن ، [ ص: 68 ] وطاوس ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وغيرهم ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهاهنا خبر لو صح لقلنا به - : رويناه من طريق سعيد بن المسيب عن بصرة بن أكثم { أن امرأة زنت ; فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدها عبدا لزوجها } ولا نعلم لسعيد سماعا من بصرة ، وقد قال بعضهم : نضرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية