1856 - مسألة : ولا يحل 
نكاح الشغار   : وهو أن يتزوج هذا ولية هذا على أن يزوجه الآخر وليته أيضا ، سواء ذكرا في كل ذلك صداقا لكل واحدة منهما أو لإحداهما دون الأخرى ، أو لم يذكرا في شيء من ذلك صداقا ، كل ذلك سواء يفسخ أبدا ، ولا نفقة فيه ; ولا ميراث ، ولا صداق ولا شيء من أحكام الزوجية ، ولا عدة . 
فإن كان عالما فعليه الحد كاملا ، ولا يلحق به الولد ، وإن كان جاهلا فلا حد عليه ، والولد له لاحق ، وإن كانت هي عالمة بتحريم ذلك فعليها الحد ، وإن كانت جاهلة فلا شيء عليها . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : واختلف الناس في هذا - :  
[ ص: 119 ] فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك    : لا يجوز هذا النكاح ويفسخ دخل بها أو لم يدخل ، وكذلك لو 
قال : أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار ، فلا خير في ذلك . 
وقال 
ابن القاسم    : لا يفسخ ، هذا إن دخل بها . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : يفسخ هذا النكاح إذا لم يسم في ذلك مهر ، فإن سميا لكل واحدة منهما مهرا ، أو لإحداهما دون الأخرى ثبت النكاحان معا ، وبطل المهر الذي سميا ، وكان لكل واحدة منهما مهر مثلها إن مات ، أو وطئها ، أو نصف مهر مثلها إن طلق قبل الدخول . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة  ، وأصحابه : هو نكاح صحيح ذكرا لكل واحدة صداقا ، أو لإحداهما دون الأخرى ، أو لم يذكرا صداقا أصلا ، أو اشتراطا وبينا أنه لا صداق في ذلك ، قالوا : ولكل واحدة في هذا مهر مثلها . 
والظاهر من قولهم : أنهما إن سميا صداقا أنه ليس لهما إلا المسمى . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : والذي قلنا به هو قول أصحابنا ، فوجب النظر فيما اختلفوا فيه ، فوجدنا في ذلك - : ما رويناه من طريق 
 nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم  نا 
 nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة  نا 
 nindex.php?page=showalam&ids=13608ابن نمير  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  قال : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=51278نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار ، والشغار : أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي ، أو زوجني أختك وأزوجك أختي   } 
وقد رويناه أيضا مسندا صحيحا من طريق 
 nindex.php?page=showalam&ids=36جابر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس  ، وغيرهم ، فكان هذا تحريما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل قول من سواه . 
فنظرنا في أقوال من خالف - :  
[ ص: 120 ] فأما قول 
ابن القاسم  إنه يصح بعد الدخول ، فقول قد تقدم تبييننا لفساده وتعريه من البرهان جملة . 
وأما 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي  ، وأصحابهما ، فإنهم قالوا : إنما فسد هذا النكاح لفساد صداقه فقط - ثم اختلفوا - : فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : والصداق الفاسد يفسخ ، فكان نكاح كل واحدة منهما صداقا للأخرى ، فهما مفسوخان - قال : فإن سميا لإحداهما صداقا صح ذلك النكاح ، وصح نكاح الأخرى لصحة صداقه . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : فكان هذا قولا فاسدا ، لأنه إن كان هذا العقد الذي سمي فيه الصداق صحيحا فهو صداق صحيح ، فلا معنى لفسخه وإصلاحه بصداق آخر إذا . 
فإن قال قائل : بل هو فاسد ؟ قلنا : فقل بقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  الذي يجيز كل ذلك ويصلح الصداق ، وإلا فهي مناقضة ظاهرة . 
ثم نظرنا في قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  ، فوجدناه ظاهر الفساد لمخالفة حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : ودعوى 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  أنه إنما نهى عن الشغار لفساد الصداق في كليهما دعوى كاذبة ; لأنها تقويل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وهذا لا يجوز . 
فإن ذكروا ما رويناه من طريق 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  قال { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=51279إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار - والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق   } . 
وما رويناه من طريق 
 nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني  وآخر معه - هو 
يزيد الرقاشي    - عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=51280لا شغار في الإسلام والشغار أن يبدل الرجل الرجل أخته بأخته بغير ذكر صداق   } وذكر باقي الحديث .  
[ ص: 121 ] قلنا : أما هذان الخبران فهما خلاف قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  ، وأصحابه ، كالذي قدمنا ولا فرق . 
وأما 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  فلا حجة له في هذين الخبرين لوجهين - : 
أحدهما - أنه وإن ذكر فيهما صداق أو لإحداهما فإنه يبطل ذلك الصداق جملة بكل حال ، وليس هذا في هذين الخبرين فقد خالف ما فيهما . 
والوجه الآخر - وهو الذي نعتمد عليه - وهو أن هذين الخبرين إنما فيهما تحريم الشغار الذي لم يذكر فيها الصداق فقط ، وليس فيه ذكر الشغار الذي ذكر فيه الصداق - لا بتحريم ولا بإجازة - ومن ادعى ذلك فقد ادعى الكذب وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله قط ، فوجب أن نطلب حكم الشغار الذي ذكر فيه الصداق في غير هذين الخبرين : فوجدنا خبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر  قد وردا بعموم الشغار ، وبيان أنه الزواج بالزواج ، ولم يشترط عليه الصلاة والسلام فيهما ذكر صداق ولا السكوت عنه ، فكان خبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  زائدا على خبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، وخبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=9أنس  زيادة عموم لا يحل تركها . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=28763كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل   } . 
ووجدنا الشغار - ذكر فيه صداق أو لم يذكر - قد اشترطا فيه شرطا ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل بكل حال . وروينا من طريق 
 nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود السجستاني  نا 
محمد بن فارس  نا 
يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف  نا أبي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16903محمد بن إسحاق  نا 
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج  قال : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=51281إن العباس بن العباس بن عبد المطلب  أنكح ابنته عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية  ، وأنكحه عبد الرحمن   [ ص: 122 ] ابنته : وكانا جعلا صداقا ، فكتب  nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية  إلى مروان  يأمره بالتفريق بينهما ، وقال  nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية  في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم   } . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : فهذا 
 nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية  بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف يفسخ هذا النكاح - وإن ذكرا فيه الصداق - ويقول : إنه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع الإشكال جملة - والحمد لله رب العالمين . 
والعجب كله من تشنيع الحنفيين بخلاف الصاحب الذي يدعون أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم - كدعواهم ذلك في نزح 
زمزم  من زنجي مات فيها فنزحها 
 nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير  ، وغير ذلك . 
ثم لم يلتفتوا هاهنا إلى ما عظموه وحرموه هنالك . 
وهذا خبر صحيح ، لأن 
عبد الرحمن بن هرمز  ممن أدرك أيام 
 nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية  وروى عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  وغيره ، وشاهد هذا الحكم 
بالمدينة    - وبالله تعالى التوفيق . 
لا سيما في مثل هذه القصة المشهورة بين رجلين عظيمين من عظماء 
بني هاشم  ، 
وبني أمية  يأتي به البريد من 
الشام  إلى 
المدينة  ، هذا ما لا يخفى على أحد من علماء أهلها والصحابة يومئذ 
بالشام  والمدينة  أكثر عددا من الذين كانوا أحياء أيام 
 nindex.php?page=showalam&ids=14ابن الزبير  بلا شك . 
وروينا من طريق 
 nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج  قال : سئل 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  عن رجلين أنكح كل واحد منهما أخته بأن يجهز كل واحد منهما بجهاز يسير لو شاء أخذ لها أكثر من ذلك ؟ فقال : لا ، نهي عن الشغار : فقلت له : إنه قد أصدقها كلاهما ؟ قال : لا ، قد أرخص كل واحد منهما على صاحبه من أجل نفسه ؟ فقلت 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء    : ينكح هذا ابنته بكذا وهذا ابنته بكذا بصداق كلاهما يسمي صداقه ، وكلاهما أرخص على أخيه من أجل نفسه ؟ قال : إذا سميا صداقا فلا بأس ، فإن قال : جهز وأجهز ؟ فلا ذلك الشغار ، قلت : فإن فرض هذا وفرض هذا ؟ قال : لا .
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : ففرق 
 nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء  بين النكاحين يعقد أحدهما بالآخر - ذكرا صداقا أو  
[ ص: 123 ] لم يذكرا - فأبطله ، وبين النكاحين لا يعقد أحدهما بالآخر ، فأجازه ، وهذا قولنا ، وما نعلم عن أحد من الصحابة والتابعين خلافا لما ذكرنا . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد    : فإن خطب أحدهما إلى الآخر فزوجه ، ثم خطب الآخر إليه فزوجه ، فذلك جائز ما لم يشترط أن يزوج أحدهما الآخر - فهذا هو الحرام الباطل . 
والعجب أن بعضهم احتج بأن قال : إن هذا بمنزلة 
النكاح يعقد على أن يكون صداقه خمرا أو خنزيرا ؟ فقلنا : نعم ، وكل مفسوخ باطل أبدا ، لأنه عقد على أن لا صحة لذلك العقد إلا بذلك المهر ، وذلك المهر باطل ، فالذي لا يصح إلا بصحة باطل باطل ، بلا شك - وبالله تعالى التوفيق .