صفحة جزء
1874 - مسألة : ولا يحل لأحد أن ينظر من أجنبية لا يريد زواجها أو شراءها إن كانت أمة لتلذذ إلا لضرورة ، فإن نظر في الزنا إلى الفرجين ليشهد بذلك فمباح له ، لأنه مأمور بأداء الشهادة ، قال عز وجل : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله } [ ص: 163 ] ولا سبيل لهم إلى أداء الشهادة في الزنا إلا بصحة النظر إلى الفرجين والتثبت في ذلك .

وأما في غير ذلك ، فالوجه والكفان كما قدمنا آنفا عند الشهادة عليها أو لها أو منها .

وجائز لذي المحرم أن يرى جميع جسم حريمته ، كالأم ، والجدة ، والبنت ، وابنة الابن ، والخالة ، والعمة ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت ، وامرأة الأب ، وامرأة الابن ، حاشا الدبر والفرج فقط .

وكذلك النساء بعضهن من بعض .

وكذلك الرجال بعضهم من بعض .

برهان ذلك : قول الله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } الآية .

فذكر الله عز وجل في هذه الآية : زينتهن زينة ظاهرة تبدى لكل أحد وهي الوجه والكفان على ما بينا فقط ، وزينة باطنة حرم عز وجل إبداءها إلا لمن ذكر في الآية .

ووجدناه تعالى قد ساوى في ذلك بين البعولة ، والنساء ، والأطفال ، وسائر من ذكرنا في الآية .

وقد أوضحنا في " كتاب الصلاة " أن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين ، فحكم العورة سواء فيما ذكرنا ، إلا ما لا خلاف فيه من أنه لا يحل لغير الزوج النظر إليه من الفرج والدبر .

ولم نجد لا في قرآن ، ولا سنة ، ولا معقول : فرقا بين الشعر ، والعنق ، والذراع ، والساق ، والصدر ، وبين البطن ، والظهر ، والفخذ إلا أنه لا يحل لأحد أن يتعمد النظر إلى شيء من امرأة لا يحل له : لا الوجه ، ولا غيره ، إلا لقصة تدعو إلى ذلك لا يقصد منها منكر بقلب أو بعين .

وقد روينا عن طاوس كراهة نظر الرجل إلى شعر ابنته ، وأمه ، وأخته - ولا يصح عن طاوس ، وصح عن إبراهيم : أن لا ينظر من ذات المحرم إلا إلى ما فوق [ ص: 164 ] الصدر - وهذا تحديد لا برهان على صحته ، وليس هذا مكان رأي ، ولا استحسان ، لأن المخالفين لنا ههنا بأهوائهم لا يختلفون في أنه لا يحل النظر إلى زينة شعر العجوز السوداء الحرة ، ولعل النظر إليها يقذي العين ، ويميت تهييج النفس .

ويجيزون النظر لغير لذة إلى وجه الجارية الجميلة الفتاة ويديها وقد صح في ذلك - : ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد - عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : { إن أم عطية أم المؤمنين استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة ، فأذن لها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها - قال : حسبت أنه كان أخاها من الرضاعة ، أو غلاما لم يحتلم } .

قال أبو محمد : هذا خبر في غاية الصحة ، لأنه من رواية الليث عن أبي الزبير عن جابر .

وقد روينا بأصح طريق : أن كل ما رواه الليث عن أبي الزبير عن جابر ، فإن أبا الزبير أخبره أنه سمعه عن جابر .

وأما قول الراوي : { حسبت أنه كان أخاها من الرضاعة أو غلاما لم يحتلم } فإنما هو ظن من بعض رواة الخبر ممن دون جابر . ثم هو أيضا ظن غير صادق ، لأن أم سلمة - رضي الله عنها - ولدت بمكة ، وبها ولدت أكثر أولادها .

وأبو طيبة : غلام لبعض الأنصار بالمدينة ، فمحال أن يكون أخاها من الرضاعة ، وكان عبدا مضروبا عليه الخراج - : كما روينا من طريق مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : { حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة فأمر له بصاع من تمر ، وأمر أهله أن يخففوا من خراجه } ولا يمكن أن يحجمها إلا حتى يرى عنقها ، وأعلى ظهرها مما يوازي أعلى كتفيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية