صفحة جزء
1935 - مسألة : ومن ذلك من قال لامرأته : قد وهبتك لأهلك ؟ فإننا روينا عن علي بن أبي طالب من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب قال في المرأة توهب لأهلها : إن قبلوها فواحدة بائنة ، وإن ردوها فواحدة - وهو أحق بها - يعني برجعته . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن إبراهيم - هو التستري - نا الحسن - هو البصري - قال : كان رجال من أصحاب رسول الله يقولون : إن وهب امرأته لأهلها فأمسكوها ، فقد بانت منه ، وإن هم ردوها عليه فهي واحدة وهو أحق [ ص: 308 ] بها - وروي هذا القول عن إبراهيم النخعي . وقول آخر - وهو مروي عن علي أيضا - وهو أنه إن قبلوها فهي واحدة ، وإن لم يقبلوها فليس بشيء . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال - يعني في الموهوبة - : إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فليس بشيء . وقال عطاء : إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فليس بشيء . وقول ثالث - كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت قال : إن قبلوها فهي ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وإن ردوها فواحدة وهو أحق بها - وهذا قول الحسن . وقول رابع - رويناه من طريق سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبيد الله الكلاعي ، وعبد العزيز بن عبيد الله قال الكلاعي : عن مكحول ، وقال عبد العزيز : عن الشعبي عن مسروق - ثم اتفق مسروق ومكحول فيمن وهب امرأته لأهلها ، قالا جميعا : إن قبلوها فهي طلقة وهو أملك بها ، وإن لم يقبلوها فلا شيء . وروينا هذا أيضا عن الزهري - وهو قول أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . وقول خامس - كما روينا عن سعيد بن منصور أنا المعتمر بن سليمان التيمي عن منصور عن إبراهيم قال : كان يقال في الموهوبة لأهلها : تطليقة قال سعيد : وأرناه أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم بمثله ، وزاد : لا ندري أبائنة أم رجعية . وقول سادس - روي عن ربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وأبي الزناد فيمن وهب امرأته لأهلها ؟ قالوا : هي ثلاث قبلوها أو ردوها . وقول سابع - قاله الأوزاعي ، قال : هي طلقة واحدة قبلوها أو ردوها . وقول ثامن - وهو قول الليث بن سعد : من وهب امرأته لأهلها فالقضاء ما قضوا ، فإن كان وهبها لهم - وهو لا ينتظر قضاءهم - فهو طلاق ألبتة . وقول تاسع - رويناه عن مالك ، وهو أنه قال : من وهب امرأته لأهلها فإن كانت [ ص: 309 ] مدخولا بها فهي طالق ثلاثا قبلوها أو لم يقبلوها - وإن كانت غير مدخول بها فهي واحدة فقط - قبلوها أو ردوها . وقول عاشر - رويناه عن الشافعي قال : من وهب امرأته لأهلها فله نيته في الفتيا والقضاء ، فإن قال : لم أنو طلاقا لم يلزمه طلاق ، وإن قال : نويت ثلاثا فهي ثلاث ، وإن قال : نويت اثنتين فهي اثنتان رجعيتان ، وإن قال : نويت واحدة فهي واحدة رجعية . وقول حادي عشر - وهو قول أبي حنيفة ، قال : إن قاله لامرأته : قد وهبتك لأهلك ، أو قال : لأبيك ، أو قال : لأمك ، أو قال : للأزواج ؟ فإن كان هذا في غضب ، أو جوابا لها إذ سألته الطلاق ، ثم قال : لم أنو الطلاق : صدق ولم يلزمه طلاق في الفتيا ، وفي القضاء . وإن قال : نويت بذلك الطلاق - فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث ، وإن نوى اثنتين باثنتين ، أو رجعيتين ، أو واحدة بائنة ، أو رجعية ، لم يكن في كل ذلك إلا واحدة بائنة فقط ، لا أكثر . قال : فلو قال لها : وهبتك لخالتك ، أو قال لزيد ، أو لفلان - وذكر أجنبيا فليس ذلك بشيء ، ولا يلزمه بذلك طلاق - سواء نوى بذلك طلاقا ثلاثا أو أقل ; أو لم ينو طلاقا - كان ذلك في غضب أو في جواب سؤالها إياه الطلاق ، أو لم يكن - ولا معنى لحكم أهلها الذين وهبها لهم في ذلك . وقول ثاني عشر - وهو أن كل ذلك باطل لا يلزمه به طلاق أصلا - نواه أو لم ينوه - وهو أبي ثور ، وأبي سليمان ، وأصحابنا . قال أبو محمد : أما قول أبي حنيفة - فآبدة من أوابد الدهر ، وتفريق ما سمع بأسخف منه ، كل ذلك بلا دليل يعقل ، ولا قياس يضبط ، ولا رأي له وجه ، ولا نعلمه عن أحد قبله ، لا سيما إذا أضيف هذا القول إلى قوله الذي ذكرناه في التخيير والتمليك وتلك التفاريق السخيفة . وأما قول مالك بين المدخول بها وغير المدخول بها في التفريق - فما يعلم عن أحد قبله ، وما ندري من أين وقع لهم بالهبة أن تكون طالقا ثلاثا ؟ وقالوا : المدخول بها لا يحرمها إلا الثلاث ؟ فقلنا : وقد يحرمها عندكم الواحدة البائنة . [ ص: 310 ] فإن قالوا : يتزوجها إذا شاء ؟ قلنا : وفي الثلاث يتزوجها بعد زوج ، وكذلك غير المدخول بها يتزوجها في البائنة إن شاء وشاءت ، وهلا حرمتموها في الأبد ، كما فعلتم بالمدخول بها في عدتها ؟ ، . قال أبو محمد : وسائر الأقوال لا نعلم لشيء منها برهانا ، لا قرآنا ، ولا سنة - ولا حجة في سواهما - وما كان هكذا فلا يجوز القول به ، ومن الباطل أن يهب حرة ، أو أمة غيره ؟ فهبته فاسدة ، والفساد لا حكم له إلا بإبطاله ، والتوبة إلى الله عز وجل منه - فصح الذي قلنا وبالله تعالى نتأيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية