صفحة جزء
[ ص: 358 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطلاق 1945 - مسألة : من الطلاق - من أراد طلاق امرأة له قد وطئها : لم يحل له أن يطلقها في حيضتها ، ولا في طهر وطئها فيه .

[ ص: 359 - 363 ] فإن طلقها طلقة أو طلقتين في طهر وطئها فيه ، أو في حيضتها : لم ينفذ ذلك الطلاق وهي امرأته كما كانت ، إلا أن يطلقها كذلك ثالثة أو ثلاثة مجموعة فيلزم . [ ص: 364 ]

فإن طلقها في طهر لم يطأها فيه فهو طلاق سنة لازم - كيفما أوقعه - إن شاء طلقة واحدة ، وإن شاء طلقتين مجموعتين ، وإن شاء ثلاثا مجموعة .

فإن كانت حاملا منه أو من غيره : فله أن يطلقها حاملا وهو لازم ، ولو إثر وطئه إياها فإن كان لم يطأها قط فله أن يطلقها في حال طهرها وفي حال حيضتها - إن شاء - واحدة ، وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثا .

[ ص: 365 ] فإن كانت لم تحض قط ، أو قد انقطع حيضها طلقها أيضا كما قلنا في الحامل متى شاء .

وفيما ذكرنا اختلاف في ثلاثة مواضع - :

أحدها - هل ينفذ الطلاق الذي هو بدعة مخالف لأمر الله عز وجل أم لا ينفذ ؟

والثاني - هل طلاق الثلاث بدعة أم لا ؟

والثالث - صفة طلاق السنة . [ ص: 366 ]

برهان ما قلنا : قول الله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها }

فأباح عز وجل طلاق التي لم تمس بالوطء ، ولم يحد في طلاقها وقتا ، ولا عددا : فوجب من ذلك أن هذا حكمها - وإن دخل بها ، وطال مكثها معه ، ولا أشفرها فحملت من ذلك ، لأنه لم يمسها .

ولا تكون بذلك محصنة ، لأن الله تعالى لم يستثن شيئا من ذلك { وما كان ربك نسيا } .

والمفرق بين هذه الأحكام متناقض شارع من الدين ما لم يأذن به الله عز وجل .

فإن قيل : فمن أين حكمتم بذلك في الكتابيات إذا طلقهن المؤمنون وأنتم تبطلون القياس ؟ قلنا : لقول الله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله }

وبقوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وأخص من هذا كله بجواب هذا السؤال قوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } الآية ، فعم عز وجل جميع النساء ، ولم يخص مؤمنة من كافرة - فهذا قوله عز وجل في غير الموطوءة . [ ص: 367 ]

وأما في الموطوءة فقول الله عز وجل : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا }

والعدة لا تكون من الطلاق إلا في موطوءة فعلمنا الله عز وجل كيف يكون طلاق الموطوءة ، وأخبرنا أن تلك حدود الله ، وأن من تعداها ظالم لنفسه .

فصح أن من ظلم وتعدى حدود الله - عز وجل - ففعله باطل مردود ، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .

فصح أن الطلاق المذكور لا يكون إلا للعدة كما أمر الله عز وجل .

فنظرنا بيان مراد الله عز وجل بقوله : { فطلقوهن لعدتهن }

فوجدنا ما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبي نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال " طلقت امرأتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال { : مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها أو يمسكها ، فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء } فكان هذا بيانا لا يحل خلافه ، وقد روي هذا الخبر بنقصان عما أوردناه - : [ ص: 368 - 369 ] منها - ما رويناه من طريق شعبة عن قتادة قال : سمعت يونس بن جبير قال : سمعت ابن عمر يقول طلقت امرأتي - وهي حائض - فأتى عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم { مره فليراجعها فإذا طهرت فإن شاء طلقها ؟ } . [ ص: 370 - 371 ]

قال أبو محمد : وروينا الأخذ بهذا عن عطاء - قال علي : وزيادة العدل لا يحل ترك الأخذ بها - وهو خبر واحد ، عن قصة واحدة ، في مقام واحد [ ص: 372 ] وأما طلاق الحامل - فكما روينا من طريق مسلم أنا أبو بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان الثوري عن محمد بن عبد الرحمن مولى لطلحة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر : أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { : مره فليراجعها ، ثم ليطلقها طاهرا ، أو حاملا } . [ ص: 373 - 374 ]

وأما التي لم تحض - أو قد انقطع حيضها - فإن الله عز وجل أجمل لنا إباحة الطلاق ، وبين لنا طلاق الحامل ، وطلاق التي تحيض ، ولم يحد لنا تعالى في التي لم تحض ، ولا في التي انقطع حيضها حدا ، فوجب أنه تعالى أباح طلاقها متى شاء الزوج ، إذ لو كان له عز وجل في وقت طلاقها شرع لبينه علينا " .

ثم اختلف الناس في الطلاق في الحيض إن طلق الرجل كذلك ، أو في طهر وطئها فيه ، هل يلزم ذلك الطلاق أم لا ؟ قال أبو محمد : ادعى بعض القائلين بهذا أنه إجماع ؟

قال أبو محمد : وقد كذب مدعي ذلك ، لأن الخلاف في ذلك موجود ، وحتى لو لم يبلغنا لكان القاطع - على جميع أهل الإسلام - بما لا يقين عنده به ، ولا بلغه عن جميعهم - : كاذبا على جميعهم .

روينا من طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أن عكرمة أخبره : أنه سمع ابن عباس [ ص: 375 ] يقول : الطلاق على أربعة أوجه - : وجهان حلال ، ووجهان حرام ، فأما الحلال فأن يطلقها من غير جماع أو حاملا مستبينا حملها ، وأما الحرام فأن يطلقها حائضا أو حين يجامعها لا يدري أيشتمل الرحم على الولد أم لا ؟

قال أبو محمد : ومن المحال أن يخبر ابن عباس عما هو جائز بأنه حرام .

ومن طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن الأعمش أن ابن مسعود قال : من طلق كما أمر الله تعالى فقد بين الله تعالى له ، ومن خالف فإنا لا نطيق خلافه - : نا يونس بن عبيد الله نا ابن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا ابن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي نا عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض ، قال ابن عمر : لا يعتد لذلك . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق ، ووجه العدة ، وكان يقول : وجه الطلاق : أن يطلقها طاهرا عن غير جماع ، وإذا استبان حملها - : [ ص: 376 - 377 ] نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم بن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا حمام بن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض ؟ قال : لا يعتد بها .

قال أبو محمد : والعجب من جرأة من ادعى الإجماع على خلاف هذا - وهو لا يجد فيما يوافق قوله في إمضاء الطلاق في الحيض ، أو في طهر جامعها فيه - : كلمة عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - غير رواية عن ابن عمر قد عارضها ما هو أحسن منها عن ابن عمر ، وروايتين ساقطتين عن عثمان ، وزيد بن ثابت .

إحداهما - رويناها من طريق ابن وهب عن ابن سمعان عن رجل أخبره أن عثمان بن عفان كان يقضي في المرأة التي يطلقها زوجها وهي حائض أنها لا تعتد بحيضتها تلك وتعتد بعدها ثلاثة قروء .

والأخرى - من طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن قيس بن سعد مولى ابن علقمة عن رجل سماه عن زيد بن ثابت أنه قال فيمن طلق امرأته وهي حائض : يلزمه الطلاق وتعتد بثلاث حيض سوى تلك الحيضة . قال أبو محمد : بل نحن أسعد بدعوى الإجماع هاهنا لو استجزنا ما يستجيزون - ونعوذ بالله من ذلك - وذلك أنه لا خلاف بين أحد من أهل العلم قاطبة ، وفي جملتهم جميع المخالفين لنا في ذلك في أن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه : بدعة نهى [ ص: 378 ] عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة لأمره عليه الصلاة والسلام فإذ لا شك في هذا عندهم : فكيف يستجيزون الحكم بتجويز البدعة التي يقرون أنها بدعة وضلالة ؟ أليس بحكم المشاهدة مجيز البدعة مخالفا لإجماع القائلين بأنها بدعة ؟ قال أبو محمد : واحتجوا من الآثار - : بما رويناه من طريق ابن وهب نا ابن أبي ذئب أن نافعا أخبرهم عن ابن عمر أنه طلق امرأته - وهي حائض - فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ؟ فقال { : مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء } وهي واحدة .

ومن طريق مسلم - حدثني إسحاق بن راهويه نا يزيد بن عبد ربه نا محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن سالم عن أبيه فذكر طلاقه لامرأته وهي حائض ، وقال في آخره : فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها . [ ص: 379 ]

وبما في بعض تلك الآثار من قول ابن عمر : ما يمنعني أن أعتد بها . وفي بعضها : فمه أرأيت إن عجز واستحمق .

ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أرسلنا إلى نافع وهو يترجل في دار الندوة ذاهبا إلى المدينة - ونحن مع عطاء - هل حسبت تطليقة عبد الله بن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : نعم .

وذكر بعضهم : رواية من طريق عبد الباقي بن قانع عن أبي يحيى الساجي نا إسماعيل بن أمية الذراع نا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { ، من طلق في بدعة ألزمناه بدعته } .

قال أبو محمد : كل هذا لا حجة لهم فيه : أما حديث أنس المذكور - فموضوع بلا شك - لم يروه أحد من أصحاب حماد بن زيد الثقات إنما هو من طريق إسماعيل بن أمية الذراع ، فإن كان القرشي الصغير البصري - وهو بلا شك - فهو ضعيف متروك ، وإن كان غيره - فهو مجهول لا يعرف من هو ؟

ومن طريق - عبد الباقي بن قانع راوي كل كذبة ، المنفرد بكل طامة وليس بحجة ، لأنه تغير بآخرة - ثم لو صح - ولم يصح قط - لكان لا حجة فيه ، لأنه كان معنى قوله " ألزمناه بدعته " أي كما قال عز وجل : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه }

وليس فيه - أنه يحكم عليه بإمضاء حكم بدعته ، وتجويز ما في الدين ، وهذا هو [ ص: 380 ] الظاهر ، كما يقولون هم فيمن باع بيعا لا يحل ، أو نكح نكاحا ببدعة وفي سائر الأحكام ولا فرق .

وأما خبر نافع - فموقوف عليه ليس فيه : أنه سمعه من ابن عمر فبطل الاحتجاج به .

وأما ما روي عن ابن عمر " فمه أرأيت إن عجز واستحمق " فلا بيان في هذا اللفظ بأن تلك الطلقة عدت له طلقة ، والشرائع لا تؤخذ بلفظ لا بيان فيه ، بل قد يحتمل أن يكون أراد الزجر عن السؤال عن هذا ، والإخبار بأنه عجز واستحمق في ذلك ، والأظهر فيما هذه صفته أن لا يعتد به ، وأنه سقطة من فعل فاعله ، لأنه ليس في دين الله تعالى حكم نافذ يستحمق الحاكم به ويعجز ، بل كل حكم في الدين فالمنفذ له مستغفل كيس - والحمد لله رب العالمين .

وأما ما روي من قوله : " ما يمنعني أن أعتد بها " وقوله " وحسبت لها التطليقة التي طلقتها " فلم يقل فيه : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسبها تطليقة ، ولا أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي قال له : أعتد بها طلقة ، إنما هو إخبار عن نفسه - ولا حجة في فعله ولا فعل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وأما حديث ابن أبي ذئب الذي في آخره { وهي واحدة } فهذه لفظة أتى بها ابن أبي ذئب [ ص: 381 ] وحده ; ولا نقطع على أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ; وممكن أن تكون من قول من دونه عليه الصلاة والسلام والشرائع لا تؤخذ بالظنون .

ثم لو صح يقينا أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكان معناه - : وهي واحدة أخطأ فيها ابن عمر ، أو وهي قضية واحدة لازمة لكل مطلق .

والظاهر - أنه من قول من دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخبرا بأن ابن عمر كان طلقها طلقة واحدة ، وقد ذكرنا قبل الرواية الصحيحة من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فيمن طلق امرأته حائضا أنه لا يعتد بذلك .

ويكفي من هذا كله المسند البين الثابت ، الذي رويناه - من طريق أبي داود السجستاني قال : نا أحمد بن صالح نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر قال أبو الزبير - وأنا أسمع - كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا ؟ فقال ابن عمر : طلق ابن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض قال عبد الله : فردها علي ولم يرها شيئا ؟ وقال : إذا طهرت فليطلق إذا شاء أو ليمسك وقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن " .

قال أبو محمد : وهذا مما قرئ ثم رفعت لفظة " في قبل " وأنزل الله تعالى { لعدتهن } [ ص: 382 ] وهكذا رويناه من طريق الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع ابن عمر وسأله عبد الرحمن بن أيمن - فذكره نصا - وهذا إسناد في غاية الصحة ، لا يحتمل التوجيهات .

والحمد لله رب العالمين .

وقال بعضهم : أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمراجعتها دليل على أنها طلقة يعتد بها ؟ فقلنا : ليس ذلك دليلا على ما زعمتم ، لأن ابن عمر - بلا شك - إذ طلقها حائضا فقد اجتنبها ، فإنما أمره عليه الصلاة والسلام برفض فراقه لها وأن يراجعها كما كانت قبل ، بلا شك .

وقال بعضهم : الورع إلزامه تلك الطلقة إذ قد يطلقها بعد ذلك طلقتين فتبقى عنده ، ولعلها مطلقة ثلاثا ؟ .

فقلنا : بل هذا ضد الورع ، إذ تبيحون فرجها لأجنبي بلا بيان ، وإنما الورع أن لا تحرم على المسلم امرأته التي نحن على يقين من أن الله عز وجل أباحها له وحرمها على من سواه إلا بيقين ، وأما بالظنون والمحتملات فلا - وبالله تعالى التوفيق .

قال أبو محمد : والعجب كله أنهم إن وجدوا في الطلاق في الحيض ما يشغبون به مما ذكرنا ، فأي شيء وجدوا في طلاقه إياها في طهر وطئها فيه ؟ فإن قالوا : قسناه على الطلاق في الحيض ؟ قلنا : هذا باطل من القياس ، ولو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل ، لأنه قياس الشيء على ضده : طهر على حيض ، فكيف والقياس كله باطل ؟ [ ص: 383 ] فإن قالوا : إنكم تلزمونه الطلاق في الحيض ، وفي طهر مسها فيه إذا كان طلاقا ثالثا أو ثلاثة مجموعة ، وهي غير المدخول بها بكل حال ؟

قلنا : نعم ، لأن قول الله عز وجل : { فطلقوهن لعدتهن } لا إشكال في أنه تعالى إنما أمر بذلك في المدخول بها فيما كان من الطلاق دون الثلاث - وفي هذين الوجهين أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ، ولم يأمر قط عز وجل بذلك في غير مدخول بها ، ولا فيمن طلق ثالثة ، أو ثلاثة مجموعة وليس في غير المدخول بها عدة طلاق فيلزم أن يطلق لها ، كما بينا بنص القرآن وقوله تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } وليس هذا في طلاق الثلاث .

ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر " أنه طلق امرأته واحدة وهي حائض " وذكر الحديث .

ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر ( أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها ، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها ، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء .

قال ابن عمر : أأنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ، وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ، وعصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك ) . [ ص: 384 ]

قال أبو محمد : قد يمكن أن ابن عمر أراد بالمعصية من طلقها كذلك دون الثلاث .

التالي السابق


الخدمات العلمية