صفحة جزء
وأما الألفاظ التي فيها آثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - لا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 448 ] فهي : الخلية ، وقد خلوت مني ، والبرية وقد بارأتك ، وأنت مبرأة ، وحبلك على غاربك ، والحرج ، والتخير ، والتمليك ، وقد وهبتك - : فأما التحريم والتخيير والتمليك وقد وهبتك ، فقد ذكرناها ونذكر البواقي هاهنا - إن شاء الله تعالى - : فمن ذلك : الخلية - روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن علي بن أبي طالب قال في الخلية : إنها ثلاث .

ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال في الخلية : إنها ثلاث - وهذا قول ابن أبي ليلى ، وأبي عبيد . وقول ثان - كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي : أن عمر بن الخطاب قال في الخلية : هي واحدة وهو أحق بها .

وصح عن الزهري وقتادة أنهما قالا جميعا في الخلية ، وخلوت عني : هي واحدة رجعية - وصح عن الحسن أيضا ، وعن عطاء - وهو قول أبي ثور .

وقول ثالث - كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن مروان الأصفر قال : قال رجل لامرأته : إن خرجت فأنت خلية ، فخرجت : ففرق معاوية بن أبي سفيان بينهما - فهذا تفريق فقط ولم يذكر أنه طلاق .

وقول رابع - كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن قال في الخلية ، قال : هي واحدة بائنة .

وقول خامس - صح عن إبراهيم النخعي أنه قال : كان أصحابنا يقولون : الخلية إن نوى واحدة فهي واحدة بائنة - وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث .

ومن طريق وكيع عن الحسن بن حي عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال في الخلية : إن نوى اثنتين فهي اثنتان .

وصح عن شريح أنه قال : يدين ، فإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة .

وصح عن عطاء أنه قال : أنت خلية ، أو خلوت مني سواء ، هي سنة ، لا يدين ، [ ص: 449 ] وهي طلاق - وصح عن عمرو بن دينار : إنما هي واحدة ويدين - نوى طلاقا أو لم ينو .

وعن مروان ، وعمر بن عبد العزيز : أنه ينوي ويلزمه ما نوى - وهو قول الشافعي ، وإسحاق بن راهويه . وقول سادس - روي عن ربيعة في الخلية أنها ثلاث في المدخول بها ، وفي غير المدخول بها واحدة .

وقول سابع - قاله مالك ، وهو أن الخلية في المدخول بها ثلاث ولا بد ، وفي غير المدخول بها إن نوى ثلاثا فثلاث ، وإن نوى اثنتين فهي اثنتان ، وإن نوى واحدة فواحدة - ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبله .

وقول ثامن - قاله أبو حنيفة ، وأصحابه ، وسفيان الثوري : إن نوى بالخلية ثلاثا فهي ثلاث ، وإن نوى واحدة أو اثنتين فهي واحدة بائنة فقط .

قال أبو حنيفة وأصحابه : فإن قال : لم أنو طلاقا ، فإن كان في ذكر طلاق لم يصدق ولزمته واحدة بائنة ، وإن كان في غير ذكر طلاق صدق - سواء كان في غير غضب أو في غضب .

قال أبو محمد : إن من الشنع تفريقه بين الغضب وغير الغضب ، وتسويته مرة بينهما - وهذا كله لا يعرف عن أحد قبله .

وقد قلنا : إن تحريم الفروج المحللة وتحليل الفروج المحرمة : لا يحل لأحد بغير نص قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وأما البرية ، وأنت مبرأة مني ، وقد بارأتك ، وقد برئت مني : فروينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن علي بن أبي طالب أنه قال في البرية : هي ثلاث .

ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أنه قال في البرية : هي ثلاث .

- ومن طريق قتادة عن الحسن عن زيد بن ثابت قال : البرية ثلاث .

وصح عن قتادة ، والزهري : أن البرية ثلاث . [ ص: 450 ]

وصح عن الحسن أيضا - ففرق الزهري ، وقتادة بين الخلية وبين البرية كما ذكرنا .

وهو قول ابن وهب صاحب مالك .

وقول ثان - كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي : أن عمر بن الخطاب قال في البرية : هي واحدة ، وهو أحق بها - وروينا عن ابن عباس : أن البرية واحدة - وهو قول أبي ثور ، وأبي سليمان ، وأصحابنا ، وبعض أصحاب مالك .

وقول ثالث - صح عن إبراهيم النخعي أنه قال : كان أصحابنا يقولون في البرية : هي واحدة بائنة .

وقول رابع - كما روينا صحيحا عن إبراهيم النخعي قال : كان أصحابنا يقولون في البرية : إن نوى ثلاثا فثلاث ، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة - وصح عن إبراهيم أيضا - وإن نوى اثنتين فاثنتان - وهو قول الشعبي ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، والشافعي .

وقول خامس - قاله ربيعة في المدخول بها ثلاث ولا بد ، وفي غير المدخول بها واحدة .

وقول سادس - قاله مالك في البرية : في المدخول بها ثلاث ولا بد ، وفي غير المدخول بها واحدة ، إلا أن ينوي أكثر فيكون ما نوى .

وقول سابع - قاله أبو حنيفة ، وأصحابه - إلا زفر ، وسفيان الثوري : إن نوى ثلاثا فهي ثلاث ، وإن نوى واحدة رجعية ، أو بائنة ، أو اثنتين رجعيتين ، أو بائنتين ، فهي واحدة بائنة لا أكثر .

قال أبو حنيفة : وأصحابه : إن قال : لم أنو طلاقا ، فإن كان في ذكر طلاق لم يصدق ، فإن كان في غير ذكر طلاق فهو مصدق - سواء كان ذلك في ذكر غضب أو في غير ذكر غضب .

وقال زفر كذلك ، إلا أنه قال : وإن نوى اثنتين فهي اثنتان بائنتان .

قال أبو محمد : لا نعلم قول مالك ، وأبي حنيفة عن أحد قبلهما ، ولا حجة في [ ص: 451 ] أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسواء عندهم " البرية ، وقد بارأتك ، وأنت مبرأة " إلا رواية عن ابن القاسم صاحب مالك ، فإنه قال : من قال : قد بارأتك ، فهي واحدة بائنة في المدخول بها .

قال أبو محمد : لا يحل تحريم فرج محلل بحكم الله عز وجل ، وتحليل فرج محرم بحكمه تعالى بغير نص - وبالله تعالى التوفيق .

وأما الحرج - فصح عن علي أنه قال : إذا قال : أنت طالق طلاق الحرج فهي ثلاث .

وصح - عن الحسن أيضا ، وعن الزهري في أحد قوليه .

وقول ثان - عن عمر بن الخطاب : هي واحدة - وهو أحد قولي الزهري .

وقول ثالث - قال سفيان الثوري : له نيته - وهو قول إسحاق بن راهويه .

قال أبو محمد : قد قلنا : إنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما حبلك على غاربك - فروينا عن مالك : أن عمر كتب : أن يجلب إلى مكة رجل من العراق قال لامرأته : حبلك على غاربك ، فأحلفه عند الكعبة : ماذا أراد ؟ فقال : أردت الفراق ، فقال له عمر : فهو ما أردت - فجمع هذا الحكم ثلاثة أوجه - : أحدها - التحليف .

والثاني - الاستجلاب فيه من العراق إلى مكة .

والثالث - أنه على ما نوى - وروينا عن علي أنه على ما نوى .

وقول ثان - قاله مالك : حبلك على غاربك ، في المدخول بها ثلاث ، وفي غير المدخول بها واحدة - ولا يعرف هذا عن أحد قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية