صفحة جزء
1961 - مسألة : ولا يلزم المشرك طلاقه ، وأما نكاحه ، وبيعه ، وابتياعه ، وهبته ، وصدقته ، وعتقه ، ومؤاجرته : فجائز كل ذلك .

برهان ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .

وقول الله عز وجل : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }

فصح بهذين النصين أن كل من عمل بخلاف ما أمر الله عز وجل به ، أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو باطل لا يعتد به .

ولا شك في أن الكافر مأمور بقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ملزم ذلك ، متوعد على تركه بالخلود بين أطباق النيران فكل كلام قاله ، وترك الشهادة المذكورة : فقد وضع ذلك الكلام غير موضعه ، فهو غير معتد .

فإن قيل : فمن أين أجزتم سائر عقوده التي ذكرتم ؟ قلنا : أما النكاح فلأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجاز نكاح أهل الشرك ، وأبقاهم بعد إسلامهم عليه .

وأما بيعه ، وابتياعه : فلأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعامل تجار الكفار ، { ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في أصواع شعير } .

وأما مؤاجرته - فلأن { رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استأجر ابن أرقط ليدل به إلى المدينة وهو كافر } { وعامل يهود خيبر على عمل أرضها وشجرها بنصف ما يخرج الله عز وجل من ذلك } .

وأما هبته ، وصدقته وعتقه { فلقول حكيم بن حزام يا رسول الله ، أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتاقة وصلة رحم وصدقة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت على ما أسلفت من خير } .

فسمى عليه الصلاة والسلام كل ذلك خيرا ، وأخبر : أنه معتد له به - : فبقي الطلاق لم يأت في إمضائه نص : فثبت على أصله المتقدم . [ ص: 462 ]

فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } .

قلنا : نعم ، وهذا الذي حكمنا به بينهم هو مما أنزل الله تعالى كما ذكرنا .

وقد اختلف الناس في هذا - : فرويناه من طريق قتادة أن رجلا طلق امرأته طلقتين في الجاهلية ، وطلقة في الإسلام فسأل عمر ؟ فقال له عمر : لا آمرك ولا أنهاك ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف : لكنني آمرك ، ليس طلاقك في الشرك بشيء - وبهذا كان يفتي قتادة .

وصح عن الحسن ، وربيعة - وهو قول مالك ، وأبي سليمان ، وأصحابهما .

وصح عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، وفراس الهمداني ، والزهري ، والنخعي ، وحماد بن أبي سليمان إجازة طلاق المشرك

هو قول الأوزاعي ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما .

فإن قيل : فقد رويتم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار ، قال : لقد طلق رجال نساء في الجاهلية ثم جاء الإسلام فما رجعن إلى أزواجهن ؟ قال أبو محمد : هذا لا حجة فيه لوجوه - :

أولها - أنه مرسل ، وأن عمرو بن دينار من الجاهلية .

وثانيها - أنه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منع من ذلك .

وثالثها - أننا لم نمنع نحن من أن يكون قوم رأوا أن ذلك نافذ ، ولا حجة في ذلك ، إلا أن يعلمه عليه الصلاة والسلام فيقره .

التالي السابق


الخدمات العلمية