صفحة جزء
1963 - مسألة : ومن قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، أو قال : فهي طالق ثلاثا - فكل ذلك باطل ، وله أن يتزوجها ولا تكون طالقا .

وكذلك لو قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق - وسواء عين مدة قريبة أو بعيدة أو قبيلة أو بلدة - كل ذلك باطل لا يلزم . [ ص: 467 ]

وقد اختلف الناس في هذا - : فقالت طائفة : يلزمه كل ذلك .

وقالت طائفة : إن عين قبيلة أو بلدة أو امرأة أو مدة قريبة يعيش إليها لزمه ، فإن عم لم يلزمه .

وقالت طائفة : يكره له أن يتزوجها ، فإن تزوجها لم نمنعه ، ولم نفسخه .

فممن روي عنه قولنا كما رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن علي بن أبي طالب قال " لا طلاق إلا من بعد نكاح وإن سماها فليس بطلاق " .

ومن طريق أبي عبيد نا هشيم نا المبارك بن فضالة عن الحسن عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن رجل قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ؟ فقال علي : ليس طلاق إلا من بعد ملك .

ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عباس ، لا طلاق إلا من بعد نكاح " ، قال عطاء : فإن حلف بطلاق ما لم ينكح فلا شيء - قال ابن جريج : بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول : إن طلق ما لم ينكح فهو جائز ؟ فقال ابن عباس : أخطأ في هذا - إن الله عز وجل يقول : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن .

ومن طريق وكيع عن ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر ، وعطاء بن أبي رباح ، كلاهما عن جابر بن عبد الله يرفعه { لا طلاق قبل نكاح } .

وصح عن طاوس ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، وقتادة والحسن ، ووهب بن منبه ، وعلي بن الحسين ، والقاسم بن عبد الرحمن ، وشريح القاضي .

وروي أيضا عن عائشة أم المؤمنين وعكرمة - وهو قول سفيان بن عيينة ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والشافعي ، وأصحابه ، وأحمد ، وأصحابه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي سليمان ، وأصحابه ، وجمهور أصحاب الحديث .

وأما من كره ذلك ولم يفسخه - : كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر فيمن قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، [ ص: 468 ] فكرهه - وهو قول الأوزاعي - وروي عنه أنه قال : إن تزوجها لم آمره بفراقها ، وإن كان لم يتزوجها لم آمره أن يتزوجها - وهو قول سفيان الثوري ، فقيل له : أحرام هو ؟ فقال : ومن يقول : إنه حرام ، من رخص فيه أكثر ممن شدد فيه - وبه يقول أبو عبيد .

والقول الثالث - في الفرق بين التخصيص والعموم - : روينا من طريق مالك عن سعيد بن عمرو بن سليم عن القاسم بن محمد أن رجلا قال : إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي ، فتزوجها ، فقال له عمر بن الخطاب : لا تقربها حتى تكفر .

قال أبو محمد : ليس هذا موافقا لهم ، لأنه قد روي عن عمر : أنه وإن عم فهو لازم فذكره بعد هذا - إن شاء الله عز وجل ، بلغني عن ابن مسعود أنه قال : من قال : كل امرأة أنكحها فهي طالق إن لم يسم قبيلة أو قرية أو امرأة بعينها فليس بشيء - وقد ذكرناه قبل عن ابن مسعود مجملا .

ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن محمد بن قيس - هو المرهبي - قال : سألت إبراهيم النخعي عن رجل قال في امرأة : إن تزوجتها فهي طالق ، فذكر إبراهيم عن علقمة أو عن الأسود : أن ابن مسعود قال : هي كما قال - ثم سألت الشعبي وذكرت له قول إبراهيم النخعي ؟ فقال : صدق .

ومن طريق أبي عبيد عن هشيم نا مغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ؟ قال : ليس بشيء ، هذا رجل حرم المحصنات على نفسه : فليتزوج ، قال : فإن سماها أو نسبها ، أو سمى مصرا ، أو وقت وقتا ، فهي كما قال .

ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : إن قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ، فليس بشيء ، فإن وقت لزمه .

ومن طريق أبي عبيد نا محمد بن كثير عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء ، قال : من قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، فهي كما قال - .

وهو قول الحكم بن عتيبة ، وربيعة ، والحسن بن حي ، والليث بن سعد ، ومالك ، وأصحابه . [ ص: 469 ]

والقول الرابع - أنه يلزمه ، وإن عم - : روينا من طريق عبد الرزاق عن ياسين الزيات عن أبي محمد عن عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رجلا قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ؟ فقال له عمر بن الخطاب : هو كما قلت .

ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فيمن قال : كل امرأة أتزوجها فهي طالق ؟ وكل أمة أشتريها فهي حرة ؟ قال الزهري : هو كما قال .

ومن طريق أبي عبيد نا يحيى بن سعيد القطان ، ويزيد بن هارون ، كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، قال : كان القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وعمر بن عبد العزيز : يرون الطلاق قبل النكاح كما قال .

ومن طريق أبي عبيد نا مروان عن شجاع عن خصيف قال : سألت مجاهدا عن قول من قال : طلق قبل أن يملك فعابه مجاهد ، وقال : ما له طلاق إلا بعدما ملك - وهو قول عثمان البتي ، وأبي حنيفة . قال أبو محمد : فنظرنا فيما احتج به من أجازه بكل حال ؟ فوجدنا قائلهم قال : لا تخالفوننا فيمن قال لامرأته : أنت طالق إذا بنت مني - : أنه ليس شيئا - فصح أن الطلاق معلق بالوقت الذي أضيف إليه ؟ قال أبو محمد : هذا فاسد ، لأنه لم يخرج الطلاق كما أمر ، بل لم يوقعه حين نطق به ، وأوقعه حيث لا يقع ؟ فهو باطل فقط .

وقالوا : قسناه على النذر ؟ قلنا : القياس كله باطل - ثم لو صح لكان هذا منه باطلا ، لأن النذر جاء فيه النص ، ولم يأت في تقديم الطلاق قبل النكاح نص - .

والنذر شيء يتقرب به إلى الله عز وجل ، وليس الطلاق مما يتقرب به إلى الله عز وجل ، ولا مما ندب الله تعالى عباده إليه ، وحضهم عليه .

وهم لا يخالفوننا في أن من قال : علي نذر لله تعالى أن أطلق زوجتي - : أنه لا يلزمه طلاقها - وهذا يبطل عليهم تمويههم في ذلك بقوله تعالى : { أوفوا بالعقود } [ ص: 470 ] لأن الطلاق عقد لا يلزم الوفاء به لمن عقده على نفسه - بمعنى عقد أن يطلق ، إلا أنه لم يطلق ، فليس الطلاق من العقود التي أمر الله تعالى بالوفاء بها قبل أن توقع ؟ وقالوا : قسناه على الوصية ؟ قال أبو محمد : وهذا من أرذل قياساتهم وأظهرها فسادا ، إلا أن الوصية نافذة بعد الموت ، ولو طلق الحي بعد موته لم يجز .

والوصية قربة إلى الله عز وجل ، بل هي فرض والطلاق ليس فرضا ولا مندوبا إليه - وما وجدنا لهم شغبا غير هذا .

وهو قول لم يصح عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - لأن الرواية عن عمر موضوعة ، فيها ياسين - وهو هالك - وأبو محمد - مجهول - ثم هو منقطع بين أبي سلمة ، وعمر .

ثم نظرنا في قول من ألزمه إن خص ، ولم يلزمه إن عم ، فوجدناه فرقا فاسدا ، ومناقضة ظاهرة ، ولم نجد لهم حجة أكثر من قولهم : إذا عم فقد ضيق على نفسه ؟ فقلنا : ما ضيق ، بل له في الشراء فسحة ، ثم هبك أنه قد ضيق فأين وجدتم أن الضيق في مثل هذا يبيح الحرام ؟ وأيضا - فقد يخاف في امتناعه من نكاح التي خص طلاقها إن تزوجها أكثر مما يخاف لو عم لكلفه بها - فوضح فساد هذا القول لتعريه عن البرهان جملة .

ووجدناه أيضا - لا يصح عن أحد من الصحابة ، لأنه إما منقطع ، وإما من طريق محمد بن قيس المرهبي - وليس بالمشهور ثم رجعنا إلى قولنا فوجدنا الله تعالى يقول : { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن }

وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } فلم يجعل الله تعالى الطلاق إلا بعد عقد النكاح .

ومن الباطل أن لا يقع الطلاق حين إيقاعه ، ثم يقع حين لم يوقعه إلا ببرهان واضح - ووجدناه إنما طلق أجنبية ، وطلاق الأجنبية باطل .

والعجب - أن المخالفين لنا أصحاب قياس بزعمهم ، ولا يختلفون فيمن قال [ ص: 471 ] لامرأته : إن طلقتك فأنت مرتجعة مني ، فطلقها : أنها لا تكون مرتجعة حتى يبتدئ النطق بارتجاعه لها .

ووجدناهم - لا يختلفون فيمن قال : إذا قدم أبي فزوجيني من نفسك فقد قبلت نكاحك ؟ فقالت هي - وهي مالكة أمر نفسها - وأنا إذا جاء أبوك فقد تزوجتك ورضيت بك زوجا ، فقدم أبوه ، فإنه ليس بينهما بذلك نكاح أصلا .

ولا يختلفون فيمن قال لآخر : إذا كسبت مالا فأنت وكيلي في الصدقة به ، فكسب مالا ، فإنه لا يكون الآخر وكيلا في الصدقة به إلا حتى يبتدئ اللفظ بتوكيله ، فلا ندري من أين وقع لهم جواز تقديم الطلاق ، والظهار ، قبل النكاح ؟ - وحسبنا الله ونعم الوكيل .

وكذلك لا يختلفون فيمن قال لآخر : زوجني ابنتك إن ولدت لك من فلانة ؟ فقال الآخر : نعم ، قد زوجتك ابنتي - إن ولدتها لي فلانة - فولدت له فلانة ابنة ، فإنها لا تكون له بذلك زوجة .

وقد جاء إنفاذ هذا النكاح عن ابن مسعود ، والحسن - : رويناه من طريق حماد بن سلمة أخبرني يحيى بن سعيد التيمي عن الشعبي عن ابن مسعود بذلك وقضى لها بصداق إحدى نسائها - ولا يعرف لابن مسعود في ذلك مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم .

ولا يختلفون فيمن قال لآخر : إذا وكلتني بطلاق امرأتك فلانة فقد طلقتها ثلاثا ، ثم وكله الزوج بطلاقها ، أنها لا تكون بذلك طالقا .

ولا يختلفون فيمن قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا ، فتزوجها فطلقها إثر تمام العقد ثلاثا ، ثم أتت بولد لتمام ستة أشهر من حين ذلك ، فإنه لاحق به .

وهذه كلها مناقضات فاسدة : - وبالله تعالى التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية